للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: لا اشتمال لأحدهما على الآخر، وإنما المشتمل المسند إلى الأول على معنى أن الإسناد إلى الأول لا يكتفى به من جهة المعنى، وإنما أسند إليه على قصد غيره مما يتعلق به، ويكون المعنى مختصًا بغير الأول. وهذا القول أفصح عنه السيرافي وأبو العباس١، ولهذا لا يجوز: ضُرِبَ زيدٌ عبدُهُ، على الاشتمال، لاكتفاء المسند بالأول.

وهذا المذهب قيل: إنه التحقيق، وإنه الذي نصره الأستاذ أبو إسحاق بن ملكون وقال٢: إن النحويين؛ يعني أكثرهم؛ لم يفصحوا عنه كل الإفصاح، ولم يوضحوه كل الإيضاح، فلذلك اختاره الموضح وقال: "وهو بدل شيء من شيء يشتمل عامله على معناه اشتمالا بطريق الإجمال".

وقال في الحواشي: هذا هو الذي يظهر وبه قال المبرد والسيرافي وابن جني وابن الباذش وابن الأبرش وابن أبي العافية وابن ملكون، "وذلك كـ: أعجبني زيد علمه أو حسنه أو كلامه". ألا ترى أن الإعجاب مشتمل على زيد بطريق المجاز، وعلى علمه وحسنه وكلامه بطريق الحقيقة. "و" كذلك: "سرِقَ زيدٌُ ثوبُهُ أو فرسُهُ"، فإن زيدًا مسروق مجازًا والثوب والفرس مسروقان حقيقة، وهذا مطرد.

فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: ٢١٧] ؟ قلت: كلمة "عن" دالة على المجاوزة والسؤال متجاوز فاعله إلى الشهر وإلى القتال بطريقي الحقيقة والمجاز، كما بينا, فلا إشكال فيها. ا. هـ. ومع ذلك يرد عليه: زيد ماله كثير، إذا أعرب "ماله" بدلا من "زيد" إلا أن يقول: إن الابتداء مشتمل٣ على زيد مجازًا وعلى ماله حقيقة. وأفاد بهذه الأمثلة أن بدل الاشتمال تارة يكون مصدرًا وتارة يكون غيره، وإذا كان مصدرًا فتارة يكون مكتسبًا كالعلم، وتارة يكون غير مكتسب، وغير المكتسب تارة يكون لازمًا كالحسن، وتارة يكون مفارقًا كالكلام، وغير المصدر تارة يكون مشتملا اشتمال الظرف على المظروف كالثوب، وتارة لا يكون كذلك، كالفرس، وبدأ بالمصدر لأنه الأكثر. "و" بدل الاشتمال "أمره في الضمير" الرابط له بالمبدل منه "كأمر بدل البعض"، ثم تارة يكون مذكورًا وتارة يكون مقدرًا.

"فمثال المذكور" المتصل بالبدل "ما تقدم من الأمثلة، و" مثال المتصل بغير البدل قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ} [البقرة: ٢١٧] فـ"قتال"


١ المقتضب ١/ ٢٧.
٢ انظر قول ابن ملكون في تذكرة النحاة ص١٨٧.
٣ في "ب": "اشتمل".

<<  <  ج: ص:  >  >>