"قضى بالدية بين عصبة المرأة، لا يرثون منها إلا ما فضل عن ورثتها"١، ولأن الموالي من العصبات فأشبهوا العصبة النسبية.
الترجيح: نرى رجحان الرأي الأول؛ للأدلة التي ذكروها ولما يأتي:
أولا: لقد كان التناصر في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين الأفراد بعد العقيدة بالقبيلة، والتناصر في القبيلة كان بقرابة الأب، هم العصبة، ولما فتحت بلاد كثيرة ودخل الناس في دين الله أفواجا، وأصبحت دولة الإسلام تمنح الرعوية الإسلامية لكل من اعتنق الإسلام وبها يباح له التنقل والعيش في المكان الذي يختاره، رحل العرب إلى الأمصار المختلفة ليعملوا ويرشدوا، ورحل العجم إلى بلاد العلم ليغترفوا من تعاليم الإسلام وينموا مواردهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وكانت الأمصار محط رحال الجميع، فأصبحت الأمصار تجمع من المواطنين جموعا لا تربطهم روابط النسب، وإنما تربطهم روابط وعلاقات مختلفة، وهذه العلاقات وتلك الروابط لا يمكن حصرها ولا ضبطها، فمنهم أهل العلم، ومنهم أهل التجارات، ومنهم أهل الحرف ...
ولما كانت تنظيمات الدولة الإسلامية تقضي بتكوين وحدات إدارية، تتحمل كل وحدة منها تبعات ما يلحق بعض أفرادها، فإن جنى شخص منهم جناية خطأ تحملت هذه الوحدة معه دية المقتول، كما سبق أن أوضحنا تخفيفا عنه ومواساة لأهل المقتول، وكانت هذه الوحدة هي "عصبة الرجل"، أيام أن كان القبيلة لا زالت متجمعة في مكان معين
١ مغني المحتاج ج٤، ص٩٦، والشرح الكبير ج٩، ص٥١٦، والتاج المذهب ج٤، ص٢٤٤، والروضة البهية ج٢، ص٤٤٦، المحلى ج١١، ص٥٨، وقد أفاض في الأدلة ومناقشتها بما لا يتسع المقام لبسطه هنا.