ولكي تؤتي عملية الارتقاء بالمجتمع أكلها، وتسرع خطاها ينبغي وقاية المجتمع من المشكلات. ويحرص الدين الحنيف على وقاية المجتمع المسلم من المشكلات, وعلاج ما قد يحدث منها بأساليب كثيرة، منها -كما سبق أن فصلنا- تأسيس المجتمع على عقيدة التوحيد، وتحكيم شرع الله الأعلم بخصائص عباده وما يصلحهم وما يضرهم، وتأسيس الحكم على الشورى، وإقامة العدل الذي به تطمئن القلوب وتملأ الثقة النفوس. ويكون القوي في المجتمع ضعيفًا حتى يؤخذ الحق منه، ويكون الضعيف في المجتمع قويا حتى يؤخذ الحق له، وفي هذا استقرار لشئون العباد.
واتخاذ الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منهاجًا لتذكير الناس وتوجيههم. والأخذ بالتعاون والتكافل بين الناس لتوفير الاستقرار والطمأنينة بينهم أفرادا وجماعات، وإشعارهم بالرباط المتين الذي يربطهم، ومن ثم لا يحقد الفقير على الغني ولا يحقر الغني الفقير. فالغني مستخلف في ماله وللفقير حق فيه.
ومن عوامل وقاية المحتمع من المشكلات الجهاد والاجتهاد. فالجهاد وقاية للدين والنفس والمال والمجتمع من المشكلات، والاجتهاد هدفه الأساسي تقديم حلول لمشكلات المجتمع -وفق منهج الله- قبل أن تفعل هذه المشكلات فعلها في المجتمع, وتتفاعل مع غيرها فتستحيل إلى معمل لتفريخ مشكلات جديدة.
ومن أهم عوامل الوقاية من المشكلات وعلاجها في المجتمع المسلم. كفاءة النظم التي توجه مختلف المؤسسات فيه. فللأسرة في الإسلام نظام يحدد حقوق
أطرافها وواجباتهم ويهيئها للانطلاق في البناء. وللاقتصاد نظام يحدده حلاله وحرامه وآفاقه ويعمل على الارتقاء به, وللعبادة نظامها. وللحكم نظامه. وللمجتمع نظامه. وللعلاقات الدولية نظامها، وغير ذلك من النظم التي توجه الحياة في المجتمع وفق منهج الله، فيستقيم على الجادة ويعمل على
الانطلاق الحضاري إذا ما طبق تطبيقًا صحيحًا, وبني على فهم سليم لمراد الله في الذكر الحكيم, ولتوجيه الرسول الكريم في السنة المطهرة.
وعلى وجه العموم يعمل الإسلام على تكوين المسلم بحيث يكون قويا بدينه، قويا ببدنه، قويا بعلمه، قويا بعمله، قويا بإخوانه، قويا بعطائه لمجتمعه. كما يعمل على تكوين مجتمع قوي في التزامه بمنهج الله, وبالتضامن مع كافة مجتمعات الأمة.