فالقاعدة الأولى التي تبنى عليها الحياة هي العلم بالدين، والعلم -بالضرورة- بشئون الحياة ارتقاء بها. ومن يقرأ القرآن الكريم يجده مليئا بحفز عباد الله على التدبر والتعقل, والتفكر في قدرة الله في الخلق وكشف أسرار الكون واستثمارها والاستمرار في ذلك والمواظبة عليه، والكدح فيه وصولًا إلى تنمية المجتمع والارتقاء به.
فلنقرأ قوله الذي يخاطب العلماء فيه، العلماء الذين هم أكثر عباده خشية له بما أوتوا من علم بمكنونات خلقه في الكون.
في هذ الآيات الكريمة نجد من عناصر الكون وظواهره ما هو مجال لإعمال فكر العلماء. ومن بين العلماء هنا علماء كل من الأجناس والأحياء والفيزياء والكيمياء والرياضيات وغير ذلك من العلوم الكونية. هؤلاء أيضًا مطالبون بأن ينظروا في تكوين عناصر الكون والتدبر في شأنها، وهذا النظر وذاك التدبر إذا طولب به العلماء فإنه يكون مدخلًا للارتقاء بالعلم والبحث والاسقتصاء؛ للكشف عن مكنونات الخلق بغية تسخيرها لصالح البشرية بعامة والمجتمع الإسلامي بخاصة، إضافة إلى الوقوف على عظمة الخالق. ولنقرأ قوله تبارك وتعالى:{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ، وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}[الرعد: ٢-٤] .
وهكذا يطالب الحق تبارك وتعالى في مواضع شتى من الذكر الحكيم عباده بأن يطلقوا عقولهم؛ للتفكر والتدبر والاستقراء والإحصاء والتنقيب والدراسة. وإخضاع ما حولهم من أنهار وبحار وجبال وسهول، والشمس والقمر، والثمر المختلف مذاقه رغم