٢٥٣٤ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الشَّافِعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ؛ قَالَ: حَدَّثَنِي جُلْهُمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ؛ قَالَ: ⦗١٨٧⦘ إِنِّي لَبِالْقَاعِ مِنْ نَمِرَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ عير من أعلا نَجْدٍ، فَلَمَّا حَاذَتِ الْكَعْبَةَ إِذَا غُلامٌ قَدْ رَمَى بِنَفْسِهِ مِنْ عَجُزِ بَعِيرٍ، فَجَاءَ حَتَّى تَعَلَّقَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ نَادَى: يَا رَبَّ الْبَنِيَّةِ! أَجِرْنِي. وَإِذَا شَيْخٌ جُنْدَعِيٌّ غَشْمُهُ مَمْدُودٌ قَدْ جَاءَ فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ أَسْجَافِ الْكَعْبَةِ، فَقَامَ إِلَيْهِ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ عَلَيْهِ بَهَاءُ الْمُلْكِ وَوَقَارُ الْحُكَمَاءِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا غُلامُ! فَأَنَا مِنْ آلِ اللهِ وَأُجِيرُ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ؟ قَالَ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَأَنَا صَغِيرٌ، وَإِنَّ هَذَا اسْتَعْبَدَنِي، وَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّ لِلَّهِ بَيْتًا يَمْنَعُ مِنَ الظُّلْمِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ اسْتَجَرْتُ بِهِ. فَقَالَ لَهُ الْقُرَشِيُّ: قَدْ أَجَرْتُكَ يَا غُلامُ. قَالَ: وَحَبَسَ اللهُ يَدَ الْجُنْدَعِيِّ إِلَى عُنُقِهِ. قَالَ: جُلْهُمَةُ بْنُ عُرْفُطَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَمْرَو بْنَ خَارِجَةَ، وَكَانَ فِي قُعْدُدِ الْحَيِّ، فَقَالَ: إِنَّ لِهَذَا الشَّيْخِ ابْنًا - يَعْنِي أَبَا طَالِبٍ -. قَالَ: فَهَوَيْتُ رَحْلِي نَحْوَ تِهَامَةَ أَكْسَعُ بِهَا الْحُدُودَ وَأُعَلِّقُ لَهَا الْكَدَاءَ؛ حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَإِذَا قُرَيْشٌ عِزِينَ قَدِ ارْتَفَعَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ يَسْتَسْقُونَ، فَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: اعْمِدُوا اللاتَ وَالْعُزَّى! وَقَائِلٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: اعْمِدُوا الْمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى! فَقَالَ شَيْخٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ حَسَنُ الْوَجْهِ جَيِّدُ الرَّأْيِ: أَنَّى تُؤْفَكُونَ وَفِيكُمْ بَاقِيَةُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسُلالَةُ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ؟ ! فَقَالُوا لَهُ: كَأَنَّكَ عَنَيْتَ أَبَا طَالِبٍ؟ ! قال: إِيهِ. فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ وَقُمْتُ مَعَهُمْ، فَدَقَقْنَا عَلَيْهِ بَابَهُ، ⦗١٨٨⦘ فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ مُصَفِّرًّا، عَلَيْهِ إِزَارٌ، قَدِ اتَّشَحَ بِهِ؛ فَثَارُوا إِلَيْهِ، فَقَالُوا: يَا أَبَا طَالِبٍ! أَقْحَطَ الْوَادِي وَأَجْدَبَ الْعِبَادُ؛ فَهَلُمَّ فَاسْتَسْقِ. فَقَالَ: رُوَيْدَكُمْ زَوَالَ الشَّمْسِ وَهُبُوبَ الرِّيحِ. فَلَمَّا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ؛ خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ وَمَعَهُ غُلامٌ كَأَنَّهُ شَمْسُ دُجًى تَجَلَّتْ عَنْهُ سَحَابَةٌ قَتْمَاءُ وَحَوْلَهُ أُغَيْلِمَةٌ، فَأَخَذَهُ أَبُو طَالِبٍ، فَأَلْصَقَ ظَهْرَهُ بِالْكَعْبَةِ وَلاذَ بِأَضْبِعَةِ الْغُلامِ، وَبَصْبَصَتِ الأُغَيْلِمَةُ حَوْلَهُ، وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ، فَأَقْبَلَ السَّحَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا، وَأَغْدَقَ وَاغْدَوْدَقَ، وَانْفَجَرَ لَهُ الْوَادِي وَأَخْصَبَ النَّادِي وَالْبَادِي، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ أَبُو طَالِبٍ:
(وَأَبْيَضُ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلأَرَامِلِ)
(يَطِيفُ بِهِ الْهُلالُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَفَضَائِلِ)
(وَمِيزَانُ عَدْلٍ لا يَخِيسُ شَعِيرَةً ... وَوَزَّانُ صِدْقٍ وَزْنُهُ غَيْرُ عَائِلِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute