وارتكاب خلاف الأولى أو الاشتغال بالأمور المباحة أو رؤية التقصير في مقام الطاعة وأمثال ذلك مما يليق بشأنه وعلو مكانه فحسنات الأبرار سيئات المقربين مع أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه فهو من باب التأكيد في القضية أو من قبيل التلذذ بذكر العطية نحو الدعاء بقوله رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فمعنى اغفر له وارحمه أي أدم له المغفرة الشاملة والرحمة الكاملة (وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ) وهو من أكابر علماء المالكية (وغيره إلى أنه لا تدعى للنبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّحْمَةِ وَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالصَّلَاةِ والبركة الّتي تختصّ به) وفي كون البركة تختص به نظر ظاهر (ويدعى لغيره بالرّحمة والمغفرة) ويروى بالغفران نعم هذا هو الأولى ولكن لأجل النهي يحتاج إلى دليل مثبت للدعوى وقد أغرب الدلجي حيث قال لافتقارهم إليهما دونه وجه غرابته أن كل أحد محتاج إلى غفران الله تعالى ورحمته وكم ورد من دعاء له عليه الصلاة والسلام بقوله اللهم اغفر لي وارحمني وإنما الكلام في دعاء وغيره له بهما لأنه كان في مقام التواضع والأدب كما يقتضي استغناء الرب ثم رأيت في شمائل الترمذي أن واحدا من الصحابة قال له عليه الصلاة والسلام غفر الله لك فقال ولك هذا تقرير منه عليه الصلاة والسلام على جواز مثل هذا الكلام (وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ) أي المالكي في رسالته زيادة الترحم (في الصّلاة على النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي بقوله (اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ) بتشديد الحاء وفي نسخة تراحمت (عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَلَمْ يَأْتِ هَذَا) أي الدعاء له عليه الصلاة والسلام بالمغفرة والرحمة ويروى ولم تأت هذه الرواية (في حديث صحيح) قال الدلجي إذ ما ورد بزيادتهما كله ضعيف وفيه أنه يعمل بالضعيف في فضائل الأعمال وإنما يحتاج إلى الحديث الصحيح أو الحسن في الأحكام من الأقوال وأما قول النووي في شرح مسلم المختار أن الرحمة لا تذكر فيسلم لأنه خلاف الأولى وأما ما جزم به في الأذكار بأن ذكرها بدعة ففيه بحث لأنه قد ورد في بعض الطرق ولو كان ضعيفا فلا يعد بدعة لا سيما وهي لا تنافي سنة وعلى تقدير التسليم فليكن بدعة حسنة ويقويه ما ذكره المصنف بقوله (وحجّته) أي دليل ابن أبي زيد الذي أخذ به استحباب طلب الرحمة (قوله) أي قول النبي عليه الصلاة والسلام حال تعليم أمته (فِي السَّلَامِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ الله وبركاته) ومما يؤيده قوله تعالى رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وينصره أن رحمته عامة للخواص والعوام ولا يستغني أحد عن هذا الإنعام العام، ثم اعلم ان الرافعي ذكر في الشرح الكبير عن الصيدلاني أنه قال ومن الناس من يزيد وارحم محمدا كما رحمت على إبراهيم وربما يقولون ترحمت وهذا لم يرد في الخبر وأنه غير فصيح فإنه لا يقال رحمت عليه وإنما يقال رحمته وأما الترحم ففيه معنى التكلف فلا يحسن إطلاقه في حق الله سبحانه وتعالى انتهى ولا يخفى أن نفي الصيدلاني ورود الخبر بلفظ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّدٍ كَمَا تَرَحَّمْتَ عَلَى إبراهيم غلط نشأ من جهله بطريق الحديث فمن حفظ حجة على من لم يحفظ فهذه الرواية في مستدرك