جعل على على صرافته وصرف عبارته إلى تمثيل تمكنه منهما واستقراره عليهما بحال من اعتلى شيئا واقتعد غاربه وغرابته لا تخفى على أرباب الصفاء (فكان أشدّ النّاس تواضعا) أي لعظم قدره وكرم أمره (وأعدمهم كبرا) كذا في الاصول المصححة ولعله أراد بأنه كان يتكبر أحيانا لظهور كبرياء الله سبحانه وتعالى فيه بالنسبة إلى بعض المتكبرين لما ورد من أن التكبر على المتكبر صدقة وفي أصل الدلجي وأعدمهم كبرا وذكر الحجازي أنه رواية والمعنى أفقدهم وهو يرجع إلى المعنى الأول لكنه باعتبار اللفظ فيه أنه لا يصاغ اسم التفضيل إلا من فعل وجودي والحاصل أنه بلغ من هذا المعنى السلبي مبلغا لا يشاركه فيه أحد ثم قال وفي نسخة وأقلهم كبرا والأولى أجود لافتقار الثانية إلى حملها على نفيه من أصله لكونه في مقام مدح له انتهى وقد ذكر عند قوله تعالى فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ أنه وصف مصدر محذوف أي إيمانا قليلا وقيل لا قليلا ولا كثيرا يقال قلما يفعل أي لا يفعل اصلا ومن استعمال القلة بمعنى النفي حديث النسائي عن ابن أبي اوفى قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو، (وحسبك) مبتدأ خبره الجملة بعده أي وكافيك (أنّه) أي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم على ما رواه أحمد والبيهقي (خيّر بين أن يكون نبيّا ملكا) بكسر اللام أي سلطانا (أو نبيّا عبدا) أي أو أن يكون نبيا عبدا من جملة عباد الله تعالى داخلا في الرعايا والضعفاء وسلك المساكين والفقراء (فاختار أن يكون نبيّا عبدا) أي تباعدا عما هو من شأن الملوك من التكبر والتجبر والتكاثر للخدم والترفع عن الخدمة وتقربا إلى ما هو من صفات العبيد من التقلل في الدنيا والتكثر في خدمة المولى، (فقال له إسرافيل عند ذلك) من اختيار النعت الجليل (فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاكَ بِمَا تَوَاضَعْتَ لَهُ) أي في هذا العالم (أنّك سيّد ولد آدم يوم القيامة) وهذا كقوله صلى الله تعالى عليه وسلم من تواضع لله رفعه الله كما رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وكقوله عليه الصلاة والسلام تواضعوا وجالسوا المساكين تكونوا من كبراء الله وتخرجوا من الكبر رواه أيضا عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه وقوله تواضعوا لمن تتعلمون منه وتواضعوا لمن تعلمونه ولا تكونوا جبابرة العلماء رواه الخطيب في الجامع عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وقوله التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة فتواضعوا يرفعكم الله تعالى رواه ابن أبي الدنيا ثم تقييده بقوله يوم القيام لظهور سيادته فيه عيانا لكل أحد كقوله سبحانه وتعالى لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ مع كون الملك له مطلقا (وأوّل من تنشقّ الأرض عنه) للبعث (وأوّل شافع) أي يوم القيامة للعامة أو في الجنة لرفع درجات الخاصة لحديث مسلم أنا أول شفيع في الجنة.
(حدّثنا أبو الوليد بن العوّاد) بتشديد الواو (رحمه الله) جملة دعائية (بقراءتي عليه في منزله بقرطبة) بضم قاف وطاء بلد بالمغرب (سنة سبع وخمسمائة) والمقصود مما ذكره كله كمال استحضاره لروايته عنه (قال حدّثنا أبو عليّ الحافظ) أي الغساني وقد تقدم (حدّثنا أبو عمر)