للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعمال عثمان في الخارج ينتظرون نتيجة الصراع انتظارًا سلبيًا١، على الرغم من المحاولات الخجولة التي قام بها بعضهم للدفاع عن الخليفة لا سيما علي بن أبي طالب الذي أرسل ابنه الحسن من أجل ذلك٢، مع الإشارة إلى أن المحاصرين لم يظهروا أي احترام للصحابة، ربما باستثناء علي.

الطريق إلى المأساة:

تتضمن روايات المصادر مادة غنية تصف لنا تفاصيل الثورة على عثمان التي أدت إلى مقتله، بصورة متعاطفة مع الخليفة أو مع الثائرين، لكن النظرة الموضوعية إلى تلك الروايات ومقارنتها ببعضها، على تضاربها، تعطينا صورة واقعية تقارب الحقيقة إلى حد ما.

تتفق الروايات على أن قادة القوى المعارضة خططوا، وتآمروا بصورة مشتركة ومنسقة، إما عن طريق تبادل الرسائل، وإما أثناء اجتماع عقد في الحج في "نهاية ٣٤هـ/ أواسط ٦٥٥م"، لكنها تختلف بعد ذلك.

يتحدث الطبري، من خلال رواية سيف بن عمر، عن مؤامرة على الأمة الإسلامية حاك خيوطها يهودي يمني، دخل حديثًا في الإسلام؛ هو عبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء، لسواد أمه، وقد جال في الأمصار قبل أن يستقر في مصر، فنظم الحركة ورافق القوة المصرية إلى المدينة لحصار عثمان، وهو أول من نشر أفكارًا جديدة، ومشوشة حول رجعة النبي وحول الوصية، أي الفكرة القائلة: إن عليًا هو وريث النبي الشرعي، وطعن بعثمان الذي تولى الخلافة بغير حق، وحرض على الثورة، كما أثار قضية ألوهية علي وقداسته٣.

لقد صدمت حادثة الاغتيال وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، فكان لا بد أن تلقي مسئوليتها على كاهل أحد، إذ ليس من المعقول أن يتحمل وزر ذلك صحابة كبار حاربوا مع النبي، وشاركوا في وضع أسس الإسلام، فكان ابن سبأ، فهو الذي أثار الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان، كما يتحمل مسئولية انشقاق المسلمين سياسيًا، وعقائديًا من واقع ظهور الحركة الشيعية، ومثل حركة باطنية لهدم العالم الإسلامي، وقد شكلت نواة لانطلاق المعارضة الخارجية والشيعية.


١ إبراهيم: ص٢٥٩، ٢٦٠.
٢ البلاذري: ج٦ ص٢٠٢، ٢١١، ٢١٥، ٢١٦، ابن قتيبة: ج١ ص٤٠.
٣ الطبري: ج٤ ص٣٤٠، ٣٤١، البغدادي: الفرق ص٢٢٦.

<<  <   >  >>