للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمقارنة مع فتوح أهل البصرة التي شملت أقاليم فارس، وكرمان، وسجستان وخراسان١، مما أدى إلى زيادة أعداد أهل العطاء فيها، وتحسين أوضاعهم المادية، الأمر الذي نتج عنه هدوء نسبي فيها٢، على عكس الكوفة التي ظلت مشكلاتها المالية قائمة؛ وفشلت الإدارة في مواجهتها خلال ولاية كل من الوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص.

وهكذا مثل عهد عثمان مرحلة حسنة للبصرة، فوضعها في منافسة حقيقية مع الكوفة التي كانت عاجزة عن كسب غنائم وفيرة، وعن توسيع رقعة نفوذها، لكن فتوحاتها السابقة، وماضيها العسكري، كانا لا يزالان يجعلان منها، خلال هذه المرحلة، المركز المتقدم في العراق، وفي الوقت الذي كانت فيه البصرة هادئة ارتفعت في الكوفة حركات الاحتجاج الأولى ضد سياسة عثمان، والتي ارتبطت بشكل خاص بالبنى الاجتماعية فيها٣، ذلك أن سكانها كانوا يتمتعون بالعطاء بموجب النظام الذي أقره عمر بن الخطاب، غير أن مقداره كان يختلف من فئة إلى أخرى، فقد كان عطاء أهل الأيام، وأهل القادسية مرتفعًا لأسبقيتهم بالمشاركة في الفتوح، ودورهم الكبير فيها، في حين كان عطاء الروادف منخفضًا، وبخاصة المتأخرين منهم، وقد خلئق هذا التفاوت تباينًا اجتماعيًّا واضحًا انضاف إلى التباين القبلي الناجم عن تركيبة جيش الفتح مما جعل الوضع في هذا المصر يتوتر تدريجيًا٤.

تفجر الوضع في عام "٣٣هـ/ ٦٥٣-٦٥٤م" في إحدى جلسات سعيد بن العاص العامة، وقد تسبب فيه أهل الأيام والقادسية، والقراء وزعماء العشائر٥. فأثناء حديث بينهم عن السواد والجبل، وعن ثراء طلتحة بن عبيد الله، تمنى صاحب شرطة سعيد بن العاص، عبد الرحمن بن خنيس الأسدي، لواليه "والله لوددت أن هذا الملطاط لك -يعني ما كان لآل كسرى على جانب الفرات الذي يلي الكوفة-"٦، مما أثار حفيظة الحضور، وحول النقاش إلى خلاف حاد، كاد يفضي إلى صراع بين القبائل، عندما قام الأشتر، ورد عليه "تمن للأمير أفضل منه، ولا تمن له أموالنا، فقال عبد


١ الطبري: ج٤ ص٣٠٠-٣١٦.
٢ ملحم: ص١٣١.
٣ المرجع نفسه: الدوري: ص٥٥.
٤ البكاي، لطيفة: حركة الخوراج، نشأتها وتطورها إلى نهاية العهد الأموي، ص١٣.
٥ انظر من كان يحضر الاجتماع عند البلاذري في أنساب الأشراف: ج٦ ص١٥١، ١٥٢.
٦ الطبري: ج٤ ص٣١٨.

<<  <   >  >>