للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البيزنطيين، بذلك الإمدادت عنها١، فاضطر سكانها إلى الانتقال إلى الحصن الغربي عند رأس الميناء وتحصنوا به، وراحوا يفكرون جديًا بالنجاة بأنفسهم، وقد يئسوا من طول مدة الحصار التي امتدت أشهرًا، وبخاصة أن المؤن قد نفذت منهم، كما عجزوا عن الخروج للتصدي للقوات الإسلامية، ولم ينقذهم من هذا الوضع الحرج سوى وصول بواخر بيزنطية نقلتهم ليلًا، وخفية إلى الجزر القريبة الواقعة تحت السيطرة البيزنطية٢، وهكذا أضحت المدينة خالية ممن يحميها أو يدافع عنها، فدخلها المسلمون وسيطروا عليها٣.

تعمير طرابلس:

اهتم معاوية بن أبي سفيان بتعمير طرابلس بعد فرار سكانها، فأرسل إليها جماعة من يهود الأردن٤، وأسكنهم في حصنها، ولم يسكنها غيرهم ليضع سنوات٥.

ويبدو أنه أدرك أن اليهوم قوم لا هم لهم إلا تأمين مصالحهم الخاصة، وأن كثيرًا منهم خانوا البيزنطيين وعملوا عيونًا للمسلمين مقابل إعفائهم من الجزية، ومنحهم الأراضي٦، كما أنهم اشتهروا بالأعمال التجارية، التي كان معاوية يعمل على تنشيطها مع بلدان البحر المتوسط، لذلك أسكنهم في مدينة طرابلس، ثم استقدم الفرس من الداخل، وأنزلهم فيها أيضًا.

وكان عثمان قد أمر معاوية "بتحصين السواحل وشحنها، وإقطاع من ينزله إياها قطائع ففعل"٧، والمعروف أن المسلمين كانوا يخشون الإقامة في الثغور الساحلية المعرضة دائمًا لغارات البيزنطيين، لذلك واجه معاوية صعابًا في إغراء المسلمين على الرغم من أنه وزع الأراضي عليهم، واضطر أخيرًا إلى إسكانها بخليط غير مسلم، كما أذن لبعض البيزنطيين بالإقامة فيها بعد أن استأمنهم٨. وكان يشحنها في كل عام، بفرق من الجند المسلمين ليدافعوا عنها ضد غارات البيزنطيين، وولى عليها عاملًا من قبله.

فتح جزيرة قبرص:

كانت قبرص ولاية بيزنطية عاصمتها قنسطنطيا "سلاميس القديمة"، ويدين سكانها


١ البلاذري: ص١٣٣.
٢ المصدر نفسه.
٣ المصدر نفسه.
٤ المصدر نفسه: ابن عساكر: ج١٦ ص٧٧.
٥ المصدران نفساهما.
٦ سالم، سيد عبد العزيز: طرابلس الشام في التاريخ الإسلامي ص٣٦.
٧ البلاذري: ص١٣٤.
٨ تدمري: تاريخ طرابلس ص٩٦.

<<  <   >  >>