للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أولُ منازلِ الآخرة

إذا وُلِد الإنسان من بطن أمه إلى هذه الدنيا فله ثلاثة منازل يسكنها: منزل في الدنيا، ومنزل في القبر، ومنزل في الآخرة: إما في الجنة، وإما في النار. فمَن أحسن العمل في منزله الأول أُحسِن له الجزاء في منزله الثاني والثالث، ومن أساء لقيَ جزاء عمله السيء في ثاني منازله وثالثها.

إن الإنسان في دار الدنيا هو في دار تكليف ينتقل بعدها إلى دار جزاء، فأول ما يلقى جزاء عمله في قبره؛ فإن القبر أول منازل الآخرة، ومنه تبدأ رحلة النعيم والهناء، أو العذاب والشقاء، فمن نال النعيم فيه فهو بشرى حسنة لما بعده، ومن بقي معذبًا فيه فما بعده هو أشد عليه.

فعن هانئ مولى عثمان بن عفان قال: كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكُر الجنة والنار فلا تبكي، وتذكر القبر فتبكي! فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد) قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه) (١).

ولقد أكرم الله تعالى الإنسان بمواراته في التراب في قبر يضم بدنه، ويستره عن أعين الأحياء لما يحدث لجثته من التغير، ويكرم أقاربه أن لا يرى الناس قريبهم وهو على تلك الحال التي يصير إليها الأموات، قال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: ٥٥].


(١) رواه أحمد (١/ ٥٠٣)، والترمذي (٤/ ٥٥٣)، والحاكم (١/ ٥٢٦)، وابن ماجه (٢/ ١٤٢٦)، وهو حسن.

<<  <   >  >>