للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا في لذات الدنيا المباحة، أما إذا كانت لذات محرمة أو شابها الحرام فإنها لذات وهمية، وطريق إلى شقاء منتظر؛ لما تعقبه من عذاب الله تعالى وسخطه. وقد كلف الله تعالى الإنسان البعد عنها؛ لما لها من سوء العاقبة العاجلة والآجلة، ولكن من غلبه هواه وانتصرت عليه نفسه لا يصبر على تركها؛ طلبًا للراحة والتنعم، ولكنه بذلك الاسترسال يخدع نفسه، ويجلب لها العناء الطويل. فلو " حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك، بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص، ويتنعم بهذا في وقت ثم يعذب ولا بد في وقت آخر، وكثيراً ما يكون ذلك الذي يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرِب من لذة الأظفار التي تحكه فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وألم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب، والعاقل يوازن بين الأمرين ويؤثر أرجحهما وأنفعهما" (١).

والحقيقة إن إقدام الإنسان على تلك اللذات المحرمة يبرهن على حمقه وجهله، ولو كان ذا عقل ورشد لما سلك طريق لذة عابرة تحرمه لذة باقية. قال ابن الجوزي: " وأجهل الجهال من آثر عاجلاً على آجل لا يأمن سوء مغبته، فكم قد سمعنا عن سلطان وأمير وصاحب مال أطلق نفسه في شهواتها، ولم ينظر في حلال وحرام فنزل به من الندم وقت الموت أضعاف ما التذ، ولقي من مرير الحسرات ما لا يقاومه ولا ذرة من كل لذة. ولو كان هذا فحسب لكفى حزناً كيف والجزاء الدائم بين يديه، فالدنيا محبوبة للطبع لا ريب في ذلك ولا أنكر على طالبها ومؤثر شهواتها، ولكن ينبغي له أن ينظر في كسبها ويعلم وجه أخذها؛ ليسلم له عاقبة لذته، وإلا فلا خير في لذة من بعدها النار" (٢). فـ"لا تؤثر لذة تفوِّت خيراً كثيراً، وصابِرْ المشقةَ تحصِّل ربحاً وافراً" (٣).


(١) طريق الهجرتين، لابن القيم (ص: ١٠٠).
(٢) صيد الخاطر، لابن الجوزي (ص: ١٢٩).
(٣) المرجع السابق (ص: ٣٧٠).

<<  <   >  >>