للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ربح على ملكه الصحيح. وهذا هو القياس الذي لا يخفى مُدركه.

ونصَّ الشافعي في القديم على أن الغاصب إذا تصرف في الدراهم المغصوبة، واتفقت أرباحٌ بسبب تصرفه، فإنه (١) يُجيز تلك التصرفات، ويفوز بالأرباح، واعتمد في ذلك مصلحة كلّية؛ من جهة أن تتبُّعَ التصرفات الكثيرة في الأمتعة التي تداولتها الأيدي، وتشتتت في البلاد عَسِرٌ، وقد لا يُوصَل إليه، هذا وجه (٢). والآخر (٣): أنَّا لو لم نجوّز هذا، فقد يتّخذ الغضابُ ذلك ذريعةً إلى تحصيل الأرباح؛ فإن الشراء في الذمة، ونقْد الثمن من الدراهم المغصوبة متيسّرٌ لا عسر فيه.

٤٩٢٢ - وهذا القول ينتشر تفريعه، ونحن نبذل المجهودَ في الجمع، فنقول أولاً: التصرف الذي أورده الغاصب على الذمة يُجيزه المالك إذا كان النقد من دراهمه، ويتوصّلُ إلى الأرباح؛ فإن المعتمد في هذا القول اتّخاذُ الدراهم المغصوبة ذريعةً إلى تحصيل الأرباح (٤)، وهذا ينطبق على إيقاع الشراء في الذمة قصداً، مع بناء الأمر على أداء الثمن من الدراهم المغصوبة، فقد اتّفق الأصحاب على جريان الإجازة في عقود الذمة على هذا القول، كما قالوا بجريانها لو أورد الغاصب التصرف على الأعيان المغصوبة.

وهذا في عقود الذمة على نهاية الإشكال؛ فإن عقد الذمة -إذا لم يصدر عن إذنٍ- منصرفٌ إلى العاقد، ويعظم تفريع الأصول الفاسدة الحائدة عن النسق.

واختصاص مذهب الشافعي بإمكان التفريع سببُه التزامه الجريانَ على الأصول، فإذا فرض حَيْدٌ اضطرب تفريع المذهب، ولم يحتمل مذهب الشافعي ما يحتمله غيره من المسالك المبنية على الميل عن الأصول.

٤٩٢٣ - ثم يعترض الآن أمور نرسلها: منها أن معظم أقوال الأصحاب مصرَّحةٌ بأن المالك بالخيار في الإجازة. ومضمونُ هذا أنه إن لم يُجز العقودَ، لم تجز، وانقلب


(١) فإنه: الضمير يعود على المالك، أي أن المالك يُجيز تلك التصرفات، ويأخذ الأرباح المترتبة عليها.
(٢) هذا وجه: أي من وجوه ترجيح هذا القول القديم.
(٣) أي الوجه الآخر من وجوه الترجيح، فليس المراد ما يتبادر من أن الوجه (الآخر) قسيم للوجه الأول، وعلى عكسه.
(٤) أفاض الرافعي في الشرح الكبير في هذه المسألة: ١٢/ ٤٢ - ٤٨ (بهامش المجموع).