عام، وأن الرعيل الأول من المحققين في العصر الحديث اهتم بها، وأخذ في صناعتها بصورة كاملة منذ ١٩١٤ م، وبرغم كل الدعوات والنداءات من أئمة الفن، فن التحقيق - نجد كثيراً من الناس لا يعرف لهذه الفهارس قيمتها، ولا يدرك فائدتها.
وتقديري أن هذا يرجع إلى قصورٍ في مناهج التعليم، التي تخلو من التدريب العملي على البحث، وتترك من يقدر له أن يكون من أهل البحث أن يشق طريقه في الصخر بأظافره، ويظل يضرب يمنة ويسرة بالمحاولة والخطأ، حتى يصل إن قدر له أن يصل.
* أذكر عندما خرج كتاب (البرهان في أصول الفقه) أن ضمَّنَا مجلس من أهل العلم، وكان الثناء على تحقيقه موضوعَ الحديث، إلا أن أحد كرام الحاضرين -وهو في منزلة شيوخي- سألني بصوتٍ عالٍ: ما معنى هذه الفهارس والصفحات الكثيرة في آخر الكتاب؟ ما قيمة أن أعرف أن القاضي الباقلاني تكرر في (البرهان) مائة مرة؟
ولمنزلة الشيخ ومكانته لم أشأ أن أردَّ، أو بالتحديد لم أستطع أن أجيبه، فأنا من جيل يعرف للشيوخ منزلتهم، ويقدرهم ويهابهم.
لم أستطع أن أنصِّب نفسي معلِّماً للشيخ الجليل، فأقول له: إن قيمة هذا الفهرس أنه يأخذ بيدك، ويضع أصبعك على كل ما نقله إمام الحرمين عن القاضي الباقلاني، وتعرف فيما وافقه وفيما خالفه.
ثم تجد بين يديك نصوص (القاضي) وهي مفقودة، لم تصل إلينا بعد.
ثم نعرف جذور الأفكار وأصولها، فما نقرؤه في كتاب فلانٍ وفلان، من المتأخرين، نعرف مصدره.
ثم قد نصحح شيئاً من الأوهام في النقل، فقد نجد فيما نقله إمام الحرمين في البرهان ما يخالف بعضَ ما هو منسوب للباقلاني في كتب المتأخرين.
لم أستطع أن أقول ذلك، وهو بعضٌ مما يقال عن قيمة الفهارس العلمية وفوائدها.
* وشيخنا هذا ليس وحده بل بعض أهل الفضل من المشتغلين بالتحقيق، ولهم فيه باع، قد يغفل أحياناً عن قيمة الفهارس، فقد عارض قولي أحدهم ذات يوم -مع أنه من