وعن ابن عباس رضي اللَّه تعالى عنهما عن الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ: (كل مخمر، وكل مسكر حرام) رواه أبو داود. والمخمر ما يغطي العقل، والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة. جمع رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ بما أوتيه من جوامع الكلم كل ما غطى العقل، وأسكر، ولم يفرق بين نوع، ونوع، ولا عبرة لكونه قد تذاب بالماء وتشرب. فالخمر يشرب ويؤكل، والحشيشة تؤكل، وتشرب، وكل ذلك حرام، وحدوثها بعد عصر الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، والأئمة لم يمنع من دخولها في عموم كلام رَسُول اللَّهِ عن المسكر، فقد حدثت أشربة مسكرة، بعد الْنَّبِيّ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب، والسنة. وقد تكلم الإمام ابن تيمية رحمه اللَّه عن الحشيشة غير مرة في فتاوة فقال ما خلاصته: (هذه الحشيشة الملعونة هي وآكلوها ومستحلوها، الموجبة لسخط اللَّه تعالى وسخط رسوله، وسخط عباده المؤمنين، المعرضة صاحبها لعقوبة اللَّه، تشتمل على ضرر في دين المرء، وخلقه، وطبعه، وتفسد الأمزجة حتى جعلت خلفاً كثيراً مجانين، وتورث من مهانة آكلها، ودناوة نفسه، وغير ذلك ما لا تورث الخمر، ففيها من المفاسد، ما ليس في الخمر، فهي بالتحريم أولى، وقد أجمع المسلمون على أن السكر منها حرام، ومن استحل ذلك وزعم أنه حلال، فإنه يستتاب، فإن تاب، وإلا قتل مرتداً، لا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن القليل منها حرام أيضاً، بالنصوص الدالة على تحريم الخمر، وتحريم كل مسكر) وقد تبعه تلميذه الإمام المحقق ابن القيم رحمه اللَّه فقال في كتابه (زاد المعاد) ما خلاصته: (إن الخمر يدخل فيها كل مسكر، مائعاً كان، أو جامداً، عصيراً، أو مطبوخاً، فيدخل فيها لقمة الفسق والفجور - ويعني بها الحشيشة - لأن هذا كله خمر بنص رَسُول اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ الصريح، الذي لا مطعن في سنده، ولا إجمال في متنه. إذ صح عنه قوله: (كل مسكر خمر) وصح عن أصحابه رضي اللَّه عنهم الذين هم أعلم الأمة بخطابه، ومراده، بأن الخمر ما خامر العقل، على أنه لو لم يتناول لفظه صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ (كل مسكر) لكان القياس الصحيح الصريح، الذي استولى فيه الأصل والفرع من كل وجه، حاكماً بالستوية بين أنواع المسكر، فالتفرقة بين نوع ونوع تفريق بين متماثلين من جميع الوجوه) . وقال صاحب (سبل السلام شرح بلوغ المرام) : (إنه يحرم ما أسكر من أي شيء، وإن لم يكن مشروباً كالحشيشة) . ونقل عن الحافظ ابن حجر (أن من قَالَ: إن الحشيشة لا تسكر، وإنما هي مخدر، سكاير، فإنها تحدث ما تحدثه الخمر من الطرب والنشوة) ....