وإذا كانت العصمة بالنسبة للقاتل هى إلتزام أحكام الإسلام فإن كل قاتل معصوم إلا الحربى (١) فإنه لا يعتبر معصومًا حال حرابته، ومن ثم فهو غير مسئول عن الجرائم التى يرتكبها ولو أسلم بعد إرتكابها، لما تواتر من فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة من عدم عقابهم من أسلم على ما فعله فى حال حرابته، كما أنه لا يسأل عن جرائمه السابقة، ولو عقدت له ذمة أو أمان لقوله تعالى:{قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ}[الأنفال: ٣٨] .
واعتبر الحربى غير معصوم وعدم عقابه عن أى جريمة يرتكبها هو عين العدالة، لأن حالة الحرب القائمة بين دولته والدولة الإسلامية تقتضى أن يكون دم الحربى وماله هدرًا ومباحًا للمسلم، وأن يجعل مال المسلم ودمه هدرًا ومباحًا للحربى فالشريعة لا تميز المسلم عن الحربى وتبيح فى حالة الحرب لأحدهما ما تبيحه للآخر.
وتعتبر الجزية والأمان والهدنة التزامًا بأحكام الإسلام ولو من بعض الوجوه، فإذا دخل الحربى فى عقد من هذه العقود اعتبر معصومًا وعوقب على كل جريمة يرتكبها بعد العقد.
٧٤- كل ما سبق محله أن يكون من شأن فعل الجانى إحداث الوفاة وأن يحدثها فعلاً فإن لم يكن من شأن الفعل إحداث الوفاة أصلاً، كمن حاول قتل آخر بسلاح نارى غير معمر، فإنه يمكن القول بأن الفقهاء لا يرون العقاب على ذلك الفعل بدليل أنهم لم يتعرضوا له أصلاً فى باب القتل والجرح، وفى هذا يتفق فقهاء الشريعة على الأقل مع من يقولون من شراح القوانين الوضعية لنظرية الجريمة المستحيلة، وتعليل عدم العقاب فى القانون هو أن جريمة القتل لم تقع ولا عقاب
(١) راجع: الشرح الكبير للدردير ج٤ ص٢١٠ , مواهب الجليل للحطاب ج٦ ص٢٣٠ , نهاية المحتاج ج٧ ص٢٥٠ , بدائع الصنائع ج٧ ص٢٣٦ , ٢٣٧ , ٢٥٢ , شرح فتح القدير ج٤ ص٣٤٩ , المغنى ج١٠ من ٤٣٦ إلى ٤٣٩ و٤٤٨ و٤٨٣.