متنوعة، وجهاد عظيم، وكفاح متواصل، فترك العمل عكس ما جاء به الإسلام، والدّين الذي يأمر بالفرائض لا يعقل أن يرضى بالإعراض عنها.
وإن شئتم تفصيل ذلك فاقرؤوا سيرة الرسول، وادرسوا تراجم أصحابه، أليس الله عز وجل قد وصف نبيه صلّى الله عليه وسلم بقوله: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً [الفتح: ٢٩] .
كان في جهاد عظيم، وكفاح مستمر، وما برح طول حياته الشريفة مختلطا بالناس متحدثا إلى أصحابه، يجالسهم، ويساكنهم، ويؤاكلهم، ويشاركهم، ويلقاهم بوجه طلق، وقلب نقيّ سليم متعلق بالله، وبما يرضى به الله، وقد تراه راكعا ساجدا لله، كما قد تراه عاملا ساعيا يبتغي الفضل من الله، ويكسب رزقه بعمله مع تعلّق قلبه بربه، لا يلهيه عن ذلك شيء رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور: ٣٧] فهو إذا ذكر الله لا يحمله ذلك على ترك الدنيا والعمل فيها، وهجر أهله وعياله، وإذا قام بعمل الدّنيا لا ينقطع مع ذلك عن ذكر الله بقلبه، وتحرّي مرضاته في كلّ ما يعمله.
ألم يأتكم نبأ المسلمين وهم يقاتلون الرّوم في بلاد الشام؟ إنّ العدو أرسل عيونا يتجسّسون له أحوال المسلمين في معسكرهم، ولما عادوا إلى قائدهم قالوا: لقد رأينا عجبا، «إنهم بالليل رهبان، وفي النّهار فرسان»«١» .
إخواني! اليوم آخر عهدي بكم في هذه المحاضرات. وكنت أحسبني قادرا على أن أصف لكم رسول الإسلام ورسالته وصفا كاملا، وإني سأوفيهما حقهما مبينا سيرة الرسول الطاهرة ومناحيها المختلفة في هذه المحاضرات الثمان، وهاهي ذي المحاضرة الثامنة قد انتهت، وفرغت الآن من إلقائها، ولكن الرسالة المحمّدية قد بقيت منها نواح لم أوفّها حقّها من البيان.
اللهمّ صلّ على محمّد وآله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
(١) قول أسير روميّ في وصف المسلمين أمام هرقل، [البداية والنهاية، ج ٧، ص ٥٢] .