للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ، ولا يَدْع به مِن قبل أن يأتيَه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عملُه، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا" (١).

وعند البخاريّ: "لا يتمنَّينَّ أحدُكم الموتَ: إما محسنًا فلعله أن يزدادَ خيرًا، وإما مسيئًا فلعله أن يَسْتَعْتِبَ (٢) " (٣).

فإن قيل: كيف- مع هذا- تمنى يوسف - عليه السلام - الموتَ في قوله: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١] وكذا قالت مريم- عليها السلام -: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم: ٢٣]؟

أجاب القرطبي -رحمه الله تعالى- في "تفسيره" إذ قال: "فكيف يقال: إن يوسف تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل؟ هذا بعيد! إلا أن يقال: إن ذلك كان جائزًا في شرعه، وإما أنه يجوز تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها، وخوف ذهاب الدين" (٤).

وقال- في "التذكرة": (قال الله تعالى مخبرًا عن يوسف عليه السلام: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: ١٠١]


(١) رواه مسلم (٤/ ٢٠٦٥) رقم (٢٦٨٢).
(٢) الاستعتاب: طلب العُتْبَى، وهو الرضا، وذلك لا يحصل إلا بالتوبة والرجوع عن الذنوب.
قال الجوهري: "استعتب: طلب أن يُعْتَب؛ يقول: استعتبته فأعتبني؛ أي: استرضيته فأرضاني". اهـ. من "الصحاح" له (١/ ١٧٦).
وفي التنزيل في حق الكافرين: {وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت: ٢٤].
(٣) رواه البخاريّ (٥/ ٢١٤٧) رقم (٢٦٨٠)، (٦/ ٢٦٤٤) رقم (٦٨٠٨).
(٤) "الجامع لأحكام القرآن" (٩/ ٢٦٩).

<<  <   >  >>