للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قضاءً لحقِّ النعمةِ، لمَّا أطلَعَ اللّهَ تعالى على أنهُ طلبَ الآية لأداء الشكرِ، جعلَ الآيةَ نفسَ الشكرِ؛ فإن إخلاص المدةِ لذكره دونَ شَغل لسانه بغيرِهِ من أحسن أنواع الشكرِ، وأحسَنُ الجوابِ ما كان منتزَعًا منَ السؤالِ؛ كأنه قالَ: آيتُكَ أن لا تقدِرَ إلا على شكري.

﴿ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ﴾: ذكَرَ الأيام هنا والليالي هناكَ، ولا تنافَي بينهُما؛ لأن ذكرَ إحداهما جمعًا يقتضِي دخولَ الأُخرى فيها لغةً وعرفًا.

﴿إِلَّا رَمْزًا﴾ الرمزُ: الإيماءُ بالشفتَين، وقد يستعمَلُ في الإيماءِ بالحاجبِ والعينِ، واليدِ والرأسِ، والأولُ أغلَبُ، وأصله التحركُ، ومنهُ الراموزُ للبحرِ، والكلامُ ينتظِمُ الرمزَ؛ لأن المرادَ منهُ ما دلَّ على الضميرِ، قالَ: جؤيَّةُ بنُ عائذٍ:

كأنَّ تَكَلُّمَ الأبطالِ رمزًا … وغَمْغَمَةً لهُمْ مثلُ الهدِيرِ (١)

فالاستثناءُ متصلٌ.

وقرئ: (رَمَزًا) كخَدَمٍ: جمعُ رامزٍ، و (رُمُزًا) كرسُلٍ: جمعُ رَموزٍ (٢)، على أنهُ حالٌ منهُ ومنَ ﴿النَّاسَ﴾ بمعنى: إلا مترامِزِين.

﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا﴾ في أيامِ الحبسةِ، وهو مؤكِّدٌ لمَا قبلَهُ مبيِّنٌ للغرضِ منهُ، والكثرةُ قيدُ المأمورِ به لا قيدُ الأمرِ، فعلَى تقديرِ دلالةِ الأمرِ على التكرارِ فائدَتهُ تكرارُ الذكر الكثير (٣).


(١) انظر: "تفسير الطبري" (٥/ ٣٨٨)، و"المحرر الوجيز" (١/ ٤٣٢).
(٢) انظر القراءتين في "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٢٠).
(٣) في هامش (د) و (ف): "فلا يغني الأول عن الثاني فمن وهم أن تقييده بها يدل على أنه لا يفيد التكرار فقد وهم".