للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قيلَ: ويجوزُ أن يكونَ مِن قولها، بمعنى: وليس الذكرُ والأُنثى (١) سيَّانِ فيما نذرتُ؛ فيكونُ التعريفُ للجنسِ.

وفيهِ: أنَّ مقصودَها تنقيصُ الأُنثى بالنسبةِ إلى الذكرِ، والمشهورُ في مثلهِ أن يُنْفَى عن الناقصِ شبهُهُ بالكاملِ، لا العكس.

﴿وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾: عطفٌ على ما قبلَها مِن مقالها، وما بينَهُما اعتراضٌ. أرادَتْ بذلك التقربَ إلى اللهِ والعصمةَ لها؛ لأن مريمَ في لغتهم بمعنى: العابدةِ، فلعلَّ اللّهَ يصدِّقُ فيها ظنَّها، ويجعلُها طبقًا لاسمِها، فتقومَ مقام ما نذرتْهُ، ألا تراها كيفَ أتبعتهُ بقولها:

﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ﴾: أجيرُها بحفظِكَ.

﴿وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾: المطرودِ، وأصلُ الرجمِ: الرميُ بالحجارة، وعنِ النبيِّ : "ما من مولودٍ يولد إلا والشيطانُ يمسُّهُ حينَ يولدُ فيستهِلُّ مِن مسِّهِ، إلا مريمَ وابنَها".

والحديثُ مذكورٌ في الصحيحينِ (٢). ولا صارفَ عن ظاهرِهِ، فمَن تردَّدَ في صحتِهِ ثم أوَّلهُ فقد ضلَّ وأضلَّ (٣).

* * *


(١) في (م): "وأليس الذكر كالأنثى".
(٢) رواه البخاري (٤٥٤٨)، ومسلم (٢٣٦٦)، بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة .
(٣) تعريض بالزمخشري الذي تردد في صحته قائلا: (الله أعلم بصحته)، ثم قال في تأويله ما قال، مما هو جار على طريقة أهل الاعتزال - كما قال أبو حيان - متهمًا أهل السنة بأنهم أهل الحشو. انظر: "الكشاف" (١/ ٣٥٧)، و"البحر" (٥/ ٣٢٧).