للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ لأنَّهم اعتقدوا أنَّ اختصاصهم بالغنى وأسباب التنعُّم (١) والترفُّه إنَّما هو لكرامتهم عند اللَّه تعالى، أو قاسوا أمرَ الآخرةِ على أمرِ الدنيا، فقالوا ذلك على أنَّ البعث إنْ وقع لم يكونوا بمعذَّبين؛ لأنَّهم أكرمُ على اللَّه تعالى مِن أنْ يعذِّبهم، إنَّما المعذَّبون مَن يهون عند اللّهِ مِن أهل الفقر والفاقة وسوء الحال في الدنيا، وفيه استهزاءٌ بالأنبياء وأصحابهم مِن الفقراء، واستهانةٌ بهم؛ أي: إنْ صدقَ وعدُكم بالبعث فإنَّهم المعذَّبون لا نحن، كما في الدنيا.

* * *

(٣٦) - ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.

﴿قُلْ﴾ ردًّا لحسبانهم: ﴿إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾؛ أي: يوسِّع على مَن يشاء، ويُضيِّق على مَن يشاء؛ مُكرَّمًا كان عنده أو مُهانًا، فلا التوسيعُ يدلُّ على الإكرام، ولا التضييقُ على الإهانة، ولا تتعلَّق السعادة والشقاوة الأخرويتان بتوسيع الرزق الدنيويِّ وتضييقه.

قيل: ولو كان ذلك في كرامةٍ (٢) وهوانٍ يُوجبانه، لم يكن بمشيئته.

وفيه نظرٌ؛ لِمَا تقرَّر (٣) في موضعه أنَّ المشيئةَ تُجامِع الإيجاب، إنَّما المنافي له القدرةُ على الفعلِ والتركِ.

﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك؛ لعدم وقوفهم على مواقف (٤) الحكمة


(١) في (ك) و (ي): "النعم".
(٢) "في كرامة" كذا في النسخ، وعند البيضاوي: (لكرامة).
(٣) في (ك): "تقدم".
(٤) في (ك): "موافق".