مخافةَ الإلزام، فهم مُقِرُّون بقلوبهم؛ لعِلْمهم أنْ لا جوابَ إلَّا هذا، وإن ألجم العناد وحبُّ الشرك أفواههم أنْ ينطقوا به.
﴿وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾؛ أي: وإنَّ أحدَ الفريقين: مِن الموحِّدين الذين يخصُّون الرازقَ وحده المتفرِّدَ بالقدرة الواجبَ لذاتِهِ بالعبادة، ومن المشركين الذين يشركون الجمادَ النازلَ في أدنى مراتب الإمكان، لعلى أَحَدِ الأمرين مِن الضلال والهدى، وهو غايةٌ في الإنصاف الذي كلُّ مَن سمعه مِن الموافق والمخالف رضيه.
وفي طيِّهِ - بعد ما تقدَّم مِن التَّقرير البليغ - تعريضٌ بمَن هو في ضلالٍ مِن الفريقين ومَن هو على الهدى أبلغُ مِن التصريح؛ لأنَّه في صورة الإنصاف المُبكِّت للخصم المشاغِب.
وإنَّما خُولف بين حرفَي التعدية؛ لأنَّ المُحِقَّ كالمستعلي على جوادٍ يَركضُه حيث يَشاءُ، أو على منارٍ مُشرفٍ على كلِّ أحدٍ مطَّلع على كلِّ شيء، والمبطلَ كالمحبوس في مطمورة لا يمكنه التفصِّي منها، لا يرى ما على وجه الخلاص، أو كالمنغمسِ في ظلامٍ مُرتبِك لا يَرى وجهةً يتوجَّه إليها، ثم أَتبعه بقوله:
﴿قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بما هو أبلغُ مِن الأول في إرخاءِ العَنانِ والإنصاف، وبالغ فيه حتَّى بلغَ ذروةَ الإخبات (١)، حيث نسب الإجرامَ إلى نفسِه وأصحابِه، والعملَ إليهم، وهو بناءٌ على الفَرْض والتَّقديرُ، فلا يلزم إجرامُهم ولا يخلو عن التعريضِ المذكورِ أيضًا مع التهكُّم.