ولما كان التراث الفكري لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم ثرا آليت أن أحصر هذا التراث بمدة محددة جعلتها نهاية العصر العباسي، إذ كان لاختيار نهاية هذا العصر دافع ملموس، تمثل بكون المؤرخين ومصنفي السيرة بخاصة قد استنزفوا معظم الأنماط والمحاور الكتابية في مصنفاتهم إن لم نقل كلها، أشار أحد الباحثين إلى ذلك الأمر حين وصف المصنفات المتأخرة لسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم بالقول:" إن أكثرها كان جمعا لروايات مختلفة أو قبولا لبعض الأساطير المتأخرة، وربما كان أيضا شرحا لبعض الألفاظ والمناسبات أو نظما لأحداث السيرة أو تلخيصا لها"«٤» .
ساعدت هذه الأمور مجتمعة على تكامل فكرة الموضوع والشروع فيه لما له من أهمية بارزة في مجال الدراسات التأريخية من حيث أن سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم كانت أحدى الركائز التي استندت اليها كتابة التأريخ عند المسلمين ودخلت في معظم صورها المتنوعة، فضلا عن ذلك إن هذه الدراسة تعطينا إيضاحا للدوافع التي كتبت من أجلها بعض مصنفات السيرة، وأثر العصر في تطور كتابة كل مصنف من هذه المصنفات، مع تبيان المناهج التي كتبت بها واستقلاليتها بسيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أو شموليتها لباقي الحوادث الأخرى مع إبراز طبيعة الروايات التي حوتها كل من هذه المصنفات مقارنة بسابقتها من حيث قوة الرواية أو ضعفها ودرجة اعتماد من تأخر عنها، وأقوال العلماء في كل مصنف من هذه المصنفات إن وجد.
(٤) عباس، إحسان، فن السيرة، دار الثقافة، بيروت، ١٩٥٦، ص ١٦- ١٧.