فإن قالوا وجدنا في هذه/ الاجسام ماء ورطوبة، قلنا: غير منكر أن يخلق الماء الذي فيها لا من هذا الماء كما خلق هذا الماء لا من ماء بل خلقه لا من شيء.
وإذا قيل لهم زعمتم أن الهواء حار رطب فتبردون البارد بالحار، وزعمتم أن الصفراء حارة يابسة والعقلاء يجدونها رطبة سيالة يطفأ بها النار، قالوا:
إنما قلنا الهواء حار رطب والصفراء حارة يابسة بالطبع قلنا: فهذا طبع وقول يكذبه الحس واللمس، وهذا كما قيل لابن عبد الوهاب الكاتب وكان قصيرا معجبا: أنت وإن كنت عند الناس قصيرا فأنت في الحكومة والطبيعة والحقيقة وعند الله طويل، وعلى أن القول: من أي شيء خلق الله عز وجل هذه الاجسام؟ ليس من الطب بسبيل بل هو مشغلة عن الطب؛ وقد فطن لهذا حذاق الأطباء فانصرفوا عنه وتوفروا على معرفة العادات والتجارب، وعلى أن فرط الجهل والحيرة تحمل هؤلاء على الكلام في مثل هذا، ولفرط غيظهم من الأنبياء والمسلمين لقولهم: إن الله خلق الأشياء لا من شيء، واخترعها بغير شيء.
وأنت تجدهم يغتاظون من تحريم الخمر والأنبذة ولحم الخنزير، يشيرون بذلك على المرضى، فإن وجدوا مسلما يتوقى شرب الأنبذة كلها قالوا: الأنبذة من دوائك، وأهل العراق يبيحون لك. وإن وجدوا من يترخص ويأخذ بقول أبي حنيفة في الأنبذة، ذموا عنده التمر وما يكون من التمر، فإن وجدوه يشرب مطبوخ العنب ويتوقى ما سواه قالوا: ليس المطبوخ بشيء وإنما الشفاء في الذي لم تمسه النار، ولذا قال جالينوس: وبها تعجن الأدوية، كل هذا عداوة/ لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، ويذكرون عن أفلاطن أنه قال: ما دخل جوف ابن آدم شيء شرّ من الماء.