للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الاجتياز، فنزل على رجل كبير واسع النعمة، وكان له ابن قد أضناه المرض فطال عليه فصار كالخيال لطول الضنا، قال/ فأرانيه وشاورني فيه، فلم يكن له دواء ولا فيه رمق، فيئست منه وأمرت بمداراته والرفق به لقرب أجله، وخرجت إلى بخارى وأقمت طويلا، ثم عدت فنزلت عليه، وإذا بحضرته فتى ذكيّ حرك ظريف فأعجبني ذكاؤه وحركته، فسألته عنه، فقال: هذا هو العليل الذي كنت رأيته، فاشتد تعجبي، فقلت، كيف كان؟ وبأي شيء داويتموه؟ فقال: ضاق صدره وأشتد ضجره، فقال لامرأة كانت ربته قد حمل إليها يوما سكباج: أطعميني، فأبت وبقى السكباج في الدار مكشوفا «١» ، فأقبلت حية فأكلت ما في الصفحة ثم قذفته في الصفحة وتقايأته، فمشى الغلام الى الصفحة فشرب ما فيها وأكله ليقل المرض ولعله يستريح، ثم أن المرأة جاءت ورأت الصفحة فهمت تأكل ما بقي فيها فنهاها الغلام، وأخبرها الخبر فأرمت «٢» القصعة ثم عرض للغلام عرق وألقى من جلده كالنمشاء ثم أفاق وقام، وهذا كما ترى، فقال الرازي: أنا ما يدريني أن في دارك حية عمرها خمسة آلاف سنة.

فانظر إلى كذبه وقله تحصيله وقلة حيائه وتحرزه مما يتحرز منه العقلاء فيها، أنه لا يعلم ان الأمر كما أخبر الغلام وإن غلب الظن على صدقه، وأخرى أنه لو كان يعرف أن دواء هذا العليل في قيء حية عمرها خمسة آلاف سنة لو صفه لهم لما رأى العليل، وأخرى إخباره بعمرها كأنه قد حصل ذلك واضطر إلى العلم به، وما يدريه لعل عمرها ثلاث سنين ولشبابها نفع سمها ولو كانت هرمة لما انتفع، فهو لا ينفصل من الدعاوي، وهذا من جنس قولهم: إن


(١) في الأصل «مكشوف»
(٢) كذا في الأصل