وإن الأنصار ما أرادوا إلا الله والدار الآخرة في تصييرهم الخلافة في أبي بكر وأمثاله من قريش، وأنهم قدموه لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قدمه، ولقوله صلّى الله عليه وسلم:
«ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» »
فكان أبو بكر وعمر هما اللذان يليانه إذا قام لصلاته، وإذا استوى في مجالسه، ولهذا قالوا/ وهم يصفون مجالس رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومنازل أصحابه عنده، قالوا: إن كانت حلقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم لتشتبك حتى تكون كالأسوار، وإن مجلس أبي بكر منها لفارغ ما يطمع فيه أحد، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل اليه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بوجهه وألقى اليه حديثه، وسمع الناس.
ولقد أقبل العباس يوما فتنحى له أبو بكر وأجلسه معه، فعرف السرور في وجه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بتعظيم أبي بكر للعباس، فاعرف هذا فإن الإمامية اليوم يروون عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه كان يلعن أبا بكر وعمر وعثمان وأمثالهم من المهاجرين والأنصار، وأنه كان يتلو في ذلك القرآن كما كان يتلوه في لعن فرعون وهامان وقارون وإبليس وأبي لهب وأبي جهل، وهذا باب ينبغي أن تراعيه، فإن الأدلة تشهد ببراءة هؤلاء من كل عيب، كما تشهد ببراءة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والكلام على الفريقين ممن كشف قناعه في الطعن على رسول الله صلّى الله عليه وسلم واعتقد افتعاله واحتياله ونسب الطعن عليه بتهمة أصحابه.
وأيضا فإن أبا بكر ما قبض الأموال لنفسه ولا لولده ولا لأصهاره ولا لأهل بيته، ولا أقطعها القواد والجند فنوجه في ذلك تهمة، وإنما جعلها لأبناء السبيل الذين لا يعرفهم ولا يدري من هم، وإنما هم غرباء فقراء يطرقون ويجتازون.
(١) جاء في هامش الأصل «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليلني منكم أولو الأحلام والنهى»