كسرى ومياه العرب، نزلنا بينهما على عهد أخذه علينا كسرى أن لا نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا، وإنّا نرى يا قرشيّ أن هذا الأمر الذي تدعو أنت اليه مما يكرهه الملوك، فإن أحببت أن نؤويك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ما أسأتم في الردّ إذ أفصحتم بالحق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم لو لم يلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وديارهم وأموالهم ويفرشكم نساءهم أتسبحون الله وتقدسونه؟
فقال النعمان بن شريك: اللهم لك. فنهض رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وهو آخذ بيد أبي بكر ويقول: يا أبا بكر أية أحلام في الجاهلية- أو أية أخلاق شكّ الراوي الراوي أيهما قال- ما أشرفها، بها يدفع الله بأس بعضهم ببعض وبها يتحاجزون فيما بينهم. قال علي رضي الله عنه/: ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج فما نهضنا حتى بايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانوا صدقاء صبراء وأنفذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم معهم بعد أن تردد اليه منهم قوم بعد قوم يسلمون وينصرفون: مصعب بن عمير رضي الله عنه لتلاوة القرآن والتفقيه في الدين، وكانت الأوس والخزرج قبائل كثيرة وعددا جما فأسلموا طوعا بهذا الشرط وغلب عليهم الإسلام. ولغلبة الاسلام على هذه القبائل ولاستبصار أهلها ما كان في الأوس والخزرج منافقون لما رأوا قومهم وقد عمهم الإسلام وكانوا كثيرا والمنافقون قليل فأحبوا أن يحقنوا دمائهم وأن يشاركوا قومهم في العز فأظهروا الإسلام وإن كانوا لا يعتقدونه.
ثم انظر إلى صنيع قريش فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فقد كان صار بها نحو المائة من كبار المهاجرين، واستجاروا بالنجاشي ملك الحبشة فأجارهم وقبلهم، فعبدوا الله آمنين مطمئنين واستراحوا من المكاره التي كانت تجرى