الماء، وَلَقَدْ قتل يَوْمَئِذٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بشر كثير، وقتل من الكفار مَا لا يحصى، وصبروا يَوْمَئِذٍ صبرا لم يصبروا فِي موطن قط مثله ثُمَّ أنزل اللَّه نصره عَلَى أهل الإِسْلام، وانهزم القسطنطين مدبرا، فما انكشف إلا لما أصابه من القتل والجراح، وَلَقَدْ أصابه يَوْمَئِذٍ جراحات مكث منها حينا جريحا.
قال ابن عمر: حدثنى سالم مولى أم مُحَمَّد، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصنعاني، قَالَ: كَانَ أول مَا سمع من مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة حين ركب الناس البحر سنة إحدى وثلاثين، لما صلى عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح بِالنَّاسِ العصر، كبر مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة تكبيرا ورفع صوته حَتَّى فرغ الإمام عَبْد اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أبي سرح، فلما انصرف سأل:
مَا هَذَا؟ فقيل لَهُ: هَذَا مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة يكبر، فدعاه عَبْد اللَّهِ بن سَعْدٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ البدعة والحدث؟ فَقَالَ لَهُ: مَا هَذِهِ بدعة وَلا حدث، وما بالتكبير بأس، قَالَ: لا تعودن قَالَ: فأسكت مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة، فلما صلى المغرب عَبْد اللَّهِ بن سَعْدٍ كبر مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة تكبيرا أرفع من الأول، فأرسل إِلَيْهِ: إنك غلام أحمق، أما وَاللَّهِ لولا أني لا أدري مَا يوافق أَمِير الْمُؤْمِنِينَ لقاربت بين خطوك فَقَالَ مُحَمَّد بن أبي حُذَيْفَة: وَاللَّهِ مالك إِلَى ذَلِكَ سبيل، ولو هممت بِهِ مَا قدرت عَلَيْهِ قَالَ: فكف خير لك، وَاللَّهِ لا تركب معنا، قَالَ:
فأركب مع الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: اركب حَيْثُ شئت قَالَ: فركب فِي مركب وحده مَا مَعَهُ إلا القبط، حَتَّى بلغوا ذات الصواري، فلقوا جموع الروم في خمسمائة مركب او ستمائه فِيهَا القسطنطين بن هرقل، فَقَالَ: أشيروا علي، قَالُوا: ننظر الليلة، فباتوا يضربون بالنواقيس، وبات الْمُسْلِمُونَ يصلون ويدعون اللَّه.
ثُمَّ أصبحوا وَقَدْ أجمع القسطنطين أن يقاتل، فقربوا سفنهم، وقرب الْمُسْلِمُونَ فربطوا بعضها إِلَى بعض، وصف عَبْد اللَّهِ بن سَعْد الْمُسْلِمِينَ عَلَى