تَوْبَتُهُ وَنَدَمُهُ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ مِمَّنْ يَسْتَطْعِمُهُ الْغَزْوُ، وَلِيُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُخَلِّفْ أَحَدًا أَنْشَطَ إِلَى قِتَالِ فَارِسَ وَحَرْبِهَا وَمَعُونَةِ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَبُو بَكْرٍ مَرِيضٌ، وَقَدْ كَانَ مَرِضَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ مَخْرَجِ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ- مَرْضَتَهَ الَّتِي مَاتَ فِيهَا- بِأَشْهُرٍ، فَقَدِمَ الْمُثَنَّى وَقَدْ أُشْفِيَ، وَعَقَدَ لِعُمَرَ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ: عَلَيَّ بِعُمُرَ، فَجَاءَ فَقَالَ لَهُ: اسْمَعْ يَا عُمَرُ مَا أَقُولُ لَكَ، ثُمَّ اعْمَلْ بِهِ، إِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَمُوتَ مِنْ يَوْمِي هذا- وذلك يوم الاثنين- فان انامت فَلا تُمْسِيَنَّ حَتَّى تَنْدُبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى، وَإِنْ تَأَخَّرْتُ إِلَى اللَّيْلِ فَلا تُصْبِحَنَّ حَتَّى تَنْدُبَ النَّاسَ مَعَ الْمُثَنَّى، وَلا تَشْغِلَنَّكُمْ مُصِيبَةٌ وَإِنْ عَظُمَتْ عَنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، وَوَصِيَّةِ رَبِّكُمْ، وقد رأيتني متوفى رسول الله ص وَمَا صَنَعْتُ، وَلَمْ يُصَبِ الْخَلْقُ بِمِثْلِهِ، وَبِاللَّهِ لو انى انى عن امر رَسُولِهِ لَخَذَلَنَا وَلَعَاقَبَنَا، فَاضْطَرَمَتِ الْمَدِينَةُ نَارًا وَإِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَى أُمَرَاءِ الشَّامِ فَارْدُدْ أَصْحَابَ خَالِدٍ إِلَى الْعِرَاقِ، فَإِنَّهُمْ أَهْلُهُ وَوُلاةُ أَمْرِهِ وحده واهل الضراوة منهم والجرأة عَلَيْهِمْ.
وَمَاتَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ اللَّيْلِ، فَدَفَنَهُ عُمَرُ لَيْلا، وَصَلَّى عَلَيْهِ فِي المسجد، وندب الناس مع المثنى بعد ما سَوِيَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ عُمَرُ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ يَسُوءُنِي أَنْ أُؤَمِّرَ خَالِدًا عَلَى حَرْبِ الْعِرَاقِ، حِينَ أَمَرَنِي بِصَرْفِ أَصْحَابِي، وَتَرْكِ ذِكْرِهِ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَإِلَى آزرميدختَ انْتَهَى شَأْنُ أَبِي بَكْرٍ، وَأَحَد شِقَّيِ السَّوَادِ فِي سُلْطَانِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَتَشَاغَلَ أَهْلُ فَارِسَ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَنْ إِزَالَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ السَّوَادِ، فِيمَا بَيْنَ مُلْكِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى قِيَامِ عُمَرَ وَرُجُوعِ الْمُثَنَّى مَعَ أَبِي عُبَيْدٍ إِلَى الْعِرَاقِ، وَالْجُمْهُورِ مِنْ جُنْدِ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالْحِيرَةِ، وَالْمَسَالِحِ بِالسَّيْبِ، وَالْغَارَاتُ تَنْتَهِي بِهِمْ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ، وَدِجْلَةُ حِجَازٌ بَيْنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ.
فَهَذَا حَدِيثُ الْعِرَاقِ فِي إِمَارَةِ أَبِي بكر من مبتدئه الى منتهاه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute