اليهم النبى صلى الله عليه وآله وسلم بالكلام فيها وأخبر بوقوعها منهم ثم نهى عن سبهم على الاطلاق فقال لا تسبوا أحدا من أصحابى فان أحدكم لو انفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه وقال خيركم قرني وقال لا يبلغنى أحد عن اصحابى شيئا فانى أحب أن أخرج اليهم مفتوحتين آخره فوقية جمع هنة وهي الخصلة وهى هنا الأمور التى جرت بين الصحابة رضوان الله عليهم (وأخبر بوقوعها منهم) كقوله لعمار تقتلك الفئة الباغية وكقوله سيكون بعدي هنات وهناآت (لا تسبوا أحدا من أصحابي) رواه البخاري عن أبي سعيد الخدرى ومسلم عن أبي هريرة وأبو عوانة عن أبى سعيد وأبى هريرة وخاطب صلى الله عليه وسلم بذلك الصحابة لانه نزل الساب منهم لتعاطيه ما لا يليق به منزلة غير الصحابة وقال السبكى الظاهر ان الخطاب فيه لمن صحبه آخرا بعد الفتح وقوله أصحابى المراد بهم من أسلم قبل الفتح قال ويرشد اليه قوله لو أنفق الى آخره مع قوله تعالى (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ الآية) قال ولا بد لنا من تأويل بهذا أو بغيره ليكون المخاطبون غير الاصحاب الموصي بهم انتهى وأورد الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الاصول ان سبب هذا الحديث ان خالد بن الوليد تناول عبد الرحمن بن عوف أي سبه فشكاه للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لخالد هل أنتم تاركون لى أصحابى فو الذى نفسي بيده لو ان أحدكم أنفق مثل احد ذهبا الحديث فقيل المراد بقوله أصحابى أصحاب مخصوصون وهم السابقون على المخاطبين في الاسلام وعليه لا يلزم من ذلك ان النهي مختص بالسابقين لعموم اللفظ فلا يكون السبب مخصصا اذ قد يتعلق الحكم بسبب مخصوص ثم يكون عاما ونقل السبكى عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الشاذلي انه قال في مجلس وعظه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تجليات يرى فيها من بعده فيكون الكلام منه صلى الله عليه وسلم في تلك التجليات خطابا لمن بعده في حق جميع الصحابة الذين قبل الفتح وبعده انتهي وسبهم رضى الله عنهم كبيرة يكفر مستحلها بغير تأويل (لو أنفق مثل أحد) الجبل المعروف بالمدينة (ذهبا) زاد البرقانى كل يوم (ما أدرك) ثوابه (مداحدهم) أي ثوابه (ولا نصيفه) أي نصف المد والنصيف لغة في النصف وهو مثلث النون فيكون فيه أربع لغات نقله القاضى في المشارق عن الحطابى ففى هذا الحديث تفضيل الصحابة رضي الله عنهم على جميع من بعدهم وفيه ان الطاعات تشرف بشرف عاملها وقال القاضى سبب ذلك أن نفقتهم كانت وقت ضرورة وضيق حال وفي نصرته صلى الله عليه وسلم وحمايته وذلك معدوم بعده قال وجميع طاعتهم في ذلك كالنفقة (وقال خيركم قرنى) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يكونوا بعدهم قوم يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائى عن عمران بن حصين قال في التوشيح القرن أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في الامور المقصودة والاصح انه لا ينضبط بمدة فقرنه صلى الله عليه وسلم الصحابة وكانت مدتهم من المبعث الى آخر من مات من الصحابة مائة وعشرين سنة وقرن التابعين من سنة مائة الى نحو سبعين وقرن اتباع التابعين من ثم الي العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورا فاشيا وأطلقت المعتزلة ألسنتها ورفعت الفلاسفة رؤسها وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن وتغيرت الاحوال تغيرا شديدا ولم يزل الأمر في نقص الى الآن فظهر مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (لا يبلغني أحد عن أصحابي شيئا إلى آخره) أخرجه أبو داود