عَظِيما. وَلَيْسَ هَذَا من مُخَالفَة الله الَّتِي هِيَ رَأس الْحِكْمَة، وَلَا من مراقبة الْوَازِع الَّتِي هِيَ مزية الدّين، بل هَذَا من الارتباك فِي الرَّأْي وَالِاضْطِرَاب فِي الحكم ونتيجة ذَلِك فقد الحزم والعزم فِي الْأُمُور.
ثمَّ قَالَ: أعلم أَيهَا الْمُفْتِي الْمُحْتَرَم، أَن هَذِه الْحَالة الَّتِي أَنْتُم عَلَيْهَا من التَّشْدِيد والتشويش فِي أَمر الدّين، هِيَ اكبر أَسبَاب انحطاط الْمُسلمين بعد الْقُرُون الأولى فِي شؤون الْحَيَاة، كَمَا انحط قبلهم الإسرائيليون بِمَا شدده وشوشه عَلَيْهِم أهل التلمود، وكما انحطت الْأُمَم النَّصْرَانِيَّة لما كَانَت (أرثوذكسية) مُغَلّظَة أَو (كاثوليكية) متشددة، يتحكم فِيهَا البطارقة والقسيسون بِمَا يشاؤن تَحت اسْم الدّين، فَكَانُوا يكلفون النَّاس أَن يتبعوا مَا يلقنونهم من الْأَحْكَام بِدُونِ نظر وَلَا تدقيق؛ حَتَّى كَانُوا يحظرون عَلَيْهِم أَن يقرأوا الْإِنْجِيل أَو يستفهموا معنى التَّثْلِيث الَّذِي هُوَ أساس النَّصْرَانِيَّة كَمَا أَن التَّوْحِيد أساس الإسلامية. وَبَقِي ذَلِك كَذَلِك إِلَى أَن ظَهرت (البروتستان) ، أَي الطَّائِفَة الإنجيلية الَّتِي رجعت بالنصرانية إِلَى بساطتها الْأَصْلِيَّة، وأبطلت المزيدات والتشديدات الَّتِي لَا صَرَاحَة فِيهَا فِي الأناجيل، وَإِلَى أَن اتَّسع من جِهَة أُخْرَى عِنْد الْأُمَم النَّصْرَانِيَّة نطاق الْعُلُوم