للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

تشهد آثَارهم بمزيد علمهمْ أُلُوف من الْفُضَلَاء، وَكلهمْ اعتمدوا لُزُوم اتِّبَاع أحد تِلْكَ الْمذَاهب الْقَدِيمَة، حَتَّى بِدُونِ مُطَالبَة أَهلهَا بدلائلهم، لِأَن مداركنا قَاصِرَة عَن أَن توازن الدَّلَائِل وتميز الصَّحِيح وَالرَّاجِح، ومثلنا فِي ذَلِك كالطبيب لَا يلْزمه أَن يجرب طبائع الْمُفْردَات كلهَا ليعتمد عَلَيْهَا، بل يَأْخُذ علمه بطبائعها عَمَّا دونه أَئِمَّة الطِّبّ.

فَقَالَ " المستشرق ": نعم أَن الطَّبِيب يعْتَمد على مَا حَقَّقَهُ الْأَولونَ وَلَكِن فِيمَا اتَّفقُوا عَلَيْهِ، وَأما مَا اخْتلفُوا فِيهِ على طرفِي نقيض بَين نَافِع أَو سَام فَلَا يعْتَمد فِيهِ أحد الْقَوْلَيْنِ، بل يهملهما ويجدد التجربة بمزيد الدقة وَالتَّحْقِيق، لِأَن اعْتِمَاده على أَحدهمَا يكون تَرْجِيحا بِلَا مُرَجّح. هَذَا وأننا لنرى ببادئ النّظر أَن هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الأقدمين لَا يقدرُونَ أَن يطلعوا على مَا لَا يقدر الْمُتَأَخّرُونَ أَن يطلعوا عَلَيْهِ، وَيَكْفِينَا برهانا على ذَلِك:

(أَولا) تخالفهم فِي كل الْأَحْكَام، إِلَّا فِيمَا قل وندر، تخالفا مهما مَا بَين مُوجب وسالب ومحلل ومحرم، حَتَّى لم يُمكنهُم الِاتِّفَاق فِي نَحْو مسَائِل الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَمَا يحل أكله وَمَا لَا يحل.

(ثَانِيًا) : ترددهم فِي الْأَحْكَام وتقلبهم فِي الآراء، وَذَلِكَ كَحكم أحدهم فِي الْمَسْأَلَة ثمَّ عدوله عَنهُ إِلَى غَيره؛ كَمَا يَقُول أَصْحَاب الشَّافِعِي

<<  <   >  >>