والصواب مع القول الأول وهو مذهب الحنابلة فإذا وجد الطين والوَحَل جاز الجمع بل ربما أحياناً - كما قال الحنابلة - تكون المشقة الحاصلة بالطين والوحل أكثر من المشقة الحاصلة بمجرد هطول المطر وهذا يلاحظه كل أنسان إذا خرج وكانت الأرض مليئة بالماء فإنه يتأذى بهذا الماء ربما أكثر من المطر فما بالك مع هذا الماء طين ووحل فلا شك أن المشقة ظاهرة جداً مع نزول أو وجود هذا الوحل وربما تعرض الإنسان للسقوط أو الاتساخ بسبب هذا المطر وربما كان رجلاً شريفاً فتأذى غاية الأذى لا من اتساخ ثيابه بقدر ما وقع به من إحراج ولذلك يروى أن الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله دعي إلى وليمة وكان معه بعض الوجهاء وكانت السماء ممطرة فلما خرجوا من هذه الوليمة خرج قبل الشيخ عبد الرحمن رجل من الوجهاء والشرفاء وكان يتقدمه في المطر والطين ثم حصل أن هذا الشخص زلق وسقط في الطين فتأذى هذا الرجل فمن حكمة وحسن خلق الشيخ عبد الرحمن أنه بمجرد ما رآه سقط سلك طريقاً آخرؤ مباشرة حتى لا يمر من عند هذا الرجل فيشعر بالإحراج لمشاهدة الشبخ له أثناء السقوط فهذا من حسن خلق الشيخ وهو يبين أيضاً أن الوحل فيه مشقة.
• ثم قال رحمه الله:
وريح شديدة باردة.
الريح الشديدة الباردة يجوز معها الجمع والخلاف في الريح الشديدة الباردة كالخلاف تماماً أدلة وتعليلاً في الوحل فما قيل هناك يقال هنا في الأقوال والترجيح والتعليل.
وتبين من هذا أن الراجح أنه يجوز الجمع في الريح الشديدة الباردة لأنه يتأذى بها الإنسان مثل أو أكثر من المطر.
• ثم قال رحمه الله:
ولو صلى في بيته أو في مسجدٍ طريقه تحت ساباط.
يجوز للإنسان أن يجمع في المطر ولو صلى في بيته.
ويجوز له أن يجمع ولو كان بين بيته والمسجد سقفاً يقيه من المطر.
إذاً يجوز الجمع في هاتين الصورتين مع انتفاء المشقة.
والدليل:
- قالوا: الدليل على هذا قاعدة مشهورة: ((وهي أن الرخصة التي سببها المشقة تَعُم)) وذكروا أمثله لهذه القاعدة نذكر منها مثالين:
- المثال الأول: أن الترخص في السفر بالقصر والإفطار سببه المشقة ومع ذلك يجوز بالإجماع أن يقصر ويفطر ولو لم يشعر بمشقة.