للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما قلته لكم في مسألة المسافة التي يشترط أن يقطعها المسافر لتثبت له أحكام السفر أقوله هنا: وهي أنها مسألة كثر فيها الاختلاف والاضطراب وتشعبت فيها الأقوال جداً وبلغت الأقوال عدداً كبيراً واختلفت الأدلة واختلفت الآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بل عن الفقهاء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي في الإشكال تشبه تلك المسألة.

إذاًَ هذا هو مذهب الجمهور وهو أنه تحد المدة التي إذا جلسها صار مقيماً بأكثر من أربعة أيام فإن جلي أربعة فأقل فهو مسافر فإن جلس أكثر من أربعة فهو مقيم لا يترخص برخص السفر.

استدلوا على ذلك بأدلة منها:

الدليل الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن للمهاجر أن يبقى في مكة أكثر من ثلاثة أيام فقالوا: جعل بقائه في مكة ثلاثة أيام لا يخرجه عن السفر وأكثر من ذلك يجعله من المقيمين: والجواب عليه: من وجهين:

- الوجه الأول: أن هذا الحديث لا يتعلق مطلقاً بأحكام السفر وإنما يتحدث عن أحكام الهجرة فمن هاجر من بلد ثم رجع إليه فلا يجوز له أن يبقى فيه أكثر من ثلاثة أيام أو نقول أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز لهم أن يبقوا في مكة بعد أن هاجروا منها أكثر من ثلاثة أيام.

- الوجه الثاني: أن الحديث فيه ثلاثة أيام والجمهور يقولون أربعة أيام.

الدليل الثاني: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع دخل في صبيحة اليوم الرابع وجلس في الأبطح اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع وفي اليوم الثامن صلى الفجر وبعد الصلاة خرج إلى منى فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام هذا المدة وهو يعلم أنه سيجلس أربعة أيام قطعاً لأنه جاء في اليوم الرابع ويعلم أن لن يذهب إلى منى إلا في اليوم الثامن فمع كون النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلم أنه سيبقى أربعة أيام ظل يقصر الصلاة فدل ذلك على أن هذه المدة يقصر فيها المسافر الصلاة وما عداها يرجع إلى الأصل وهو الإتمام.

والجواب عليه من وجوه كثيرة والاستدلال به ضعيف لكن نأخذ بعض هذه الوجوه:

<<  <  ج: ص:  >  >>