للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٦، ٧]، بهذه الدلائلِ العظيمةِ؛ لأَنَّ البعثَ والإيجادَ بعدَ عدمٍ لَا يمكنُ أن يكونَ أعظمَ من الإيجادِ الأولِ من الترابِ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّنْ تُرَابٍ} [الحج: آية ٥]، فَعَيْنُ المقدمةِ التي تُنْكِرُونَ: هي المقدمةُ التي أنتم موجودونَ بها، مُقِرُّونَ بها، وكقولِه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الآيتان ٧٨، ٧٩]، وكقولِه جل وعلا: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ تُمْنَى} (١)

وفي القراءةِ الأُخْرَى: {مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (٣٩) أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى (٤٠)} [القيامة: الآيات ٣٧ - ٤٠] بَلَى وَاللَّهِ هو قادرٌ على ذلك. وهذا كثيرٌ في القرآنِ؟ ولأَجْلِ هذا قال الله جل وعلَا: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)} [الآيات ١ - ٤]، ثم بَيَّنَ أن مرادَه بالقَسَمِ على أنه خلقَ الإنسانَ في أحسنِ تقويمٍ ليقيمَ بذلك البرهانَ القاطعَ على البعثِ بعد الموتِ. وَلِذَا أَتْبَعَهُ بقولِه: {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧)} [التين: آية ٧]، أَيُّ شيءٍ يَحْمِلُكَ على التكذيبِ بالبعثِ والجزاءِ، وقد علمتَ أني أَوْجَدْتُكَ أولاً، وليس الإيجادُ الأخيرُ بأصعبَ من الإيجادِ الأولِ؟ ولأجلِ هذا بَيَّنَ اللَّهُ تعالى أنه لا يُنْكِرُ الإيجادَ الثانيَ - الذي هو البعثُ بعدَ الموتِ - إلا مَنْ نَسِيَ الإيجادَ الأولَ حيث قال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: آية ٧٨]؛ إذ لو تَذَكَّر خَلْقَهُ الأولَ لَمَا أَمْكَنَهُ أن ينكرَ خلقَه الثانيَ. وكما قال تعالى: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ


(١) وهي قراءة أكثر السبعة: انظر: المبسوط لابن مهران ٤٥٣ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>