لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} [الأنفال: الآية ٣٣] لو استغفروا. إلا أنك أنت خرجت وهم لم يستغفروا فانتفى الأمانان فحق عليهم العذاب؛ ولذا قال:{وَمَا لَهُمْ أَلَاّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[الأنفال: الآية ٣٤]. وهذا معنى معروف في كلام العرب؛ لأن المعنى: وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون لو استغفروا، إلا أنهم لم يستغفروا فصار لا مانع من العذاب، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧)} [هود: الآية ١١٧] أي: لو كانوا مصلحين لما نزل بهم العذاب، لكنهم لم يصلحوا فنزل بهم العذاب.
وقال بعض العلماء: المستغفرون هم المشركون، وذلك أنهم كانوا إذا لبوا تلبيتهم المعروفة وقالوا:«لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك تملكه وما ملك» ابتهلوا بعد ذلك يستغفرون وقالوا: «غفرانك ربنا، غفرانك ربنا، غفرانك ربنا» قال بعض العلماء: هذا الاستغفار الدنيوي دفع لله عنهم به العذاب. وهذا أضعفها وأبعدها.
القول الثاني: أن معنى {يَسْتَغْفِرُونَ}: يتوبون إلى الله من كفرهم ويُسلمون؛ لأن الله علم بأن في أهل مكة وقت قولهم:{إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ}[الأنفال: الآية ٣٢] علم بعلمه الأزلي أن فيهم ناسًا وطائفة سينيبون إلى الله ويستغفرونه ويؤمنون بالله كما آمنت خلائق منهم يوم الفتح وناس قبل ذلك. وعلى هذا القول:{وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ} في علمه {يَسْتَغْفِرُونَ} ويتوبون من الكفر إلى الإيمان، فلذلك أخَّر عنهم العذاب.