لا يعلمه إلا من رآه؛ ولذا قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠)} [الأنفال: الآية ٣٠] مكرهم: هو ما أرادوا من قتل النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما أجمعوا عليه، وتفرّق دمه في قبائل قريش. ومكر الله: هو أن نَجَّاهُ مِنْهُمْ، وأنْقَذَهُ منهم، وأدْخَله في الغار لحكمة يعلمها (جل وعلا) مع أنه قادر على أن يهلكهم بالجنود، ومع أنه مختفٍ منهم في الغار، فجنود السماء حوله تحوطه لا يقدر أحدٌ أن يأتيه، كما سيأتي في براءة في قوله:{إِلَاّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا}[التوبة: الآية ٤٠] تلك الجنود يعلمها الله ويراها، والناس لا يرونها، فالكفار لا يقدرون على شيء معها، ولكن الله أمره بهذه الأسباب، مع أن جنود الملائكة تحوطه لحكمة يعلمها هو (جل وعلا)، وهذا معنى قوله:{وَاللَّهُ} جل وعلا {خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} لأن مكره بالغ من الجمال ما لا يخفى؛ لأنه لا يوصل الشر فيه إلا لمن يستحق الشر، ولا يدفع الشر فيه إلا عمن هو أهل أن يدفع عنه الشر كما لا يخفى.