{أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} للنقصِ في الذي لم يُبلغ، وقال له: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)} [الذاريات: آية ٥٤] ولو كَتَمَ شيئًا لكان مَلُومًا. وقال:{فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}[النور: آية ٥٤] إلى غيرِ ذلك من الآياتِ، فهو (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) لنا بمنزلةِ الوالدِ الشفيقِ يُعَلِّمُنَا، حتى إنه من شدةِ رَأْفَتِهِ ورحمتِه بنا وحرصِه على هُدَانَا يُعَلِّمُنَا، كُلَّ شيءٍ، حتى إنه يُعَلِّمُ الرجلَ إذا رَاحَ إلى بيتِ الماءِ ليقضيَ حاجتَه - أَكْرَمَكُمُ اللَّهُ - كيفَ يفعلُ؟ وبماذا يستجمرُ؟ وما لا يفعلُ مع القِبْلَةِ، وفي أَيِّ اليدين يستجمرُ، وماذا يتقِي عندَ الاستجمارِ كما هو معروفٌ في محلِّه.
وهذه الآياتُ تَدُلُّ على أن أنبياءَ اللَّهِ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليهم) نَصَحُوا لأُمَمِهِمْ وَبَلَّغُوا أَكْمَلَ البلاغِ وَأَتَمَّهُ، وَصَبَرُوا على الأَذَى، وعلى أتباعِهم من الْمُنْتَسِبِينَ للعلمِ أن يبلغوا العلمَ على الوجهِ الأكملِ، وأن يصبروا على أَذَى الناسِ؛ لأَنَّ كُلَّ مَنْ يأمرُ بخيرٍ وَيَنْهَى عن منكرٍ لا بُدَّ أن يلحقَه الأَذَى من الناسِ، وهذا أمرٌ معروفٌ؛ لأن كُلَّ مَنْ يتعرضُ للناسِ في مهوياتِهم وينهاهم عَمَّا يَهْوَوْنَ، ويأمروهم بما لا يهوون يكونونَ أعداءً له؛ ولذا كان لقمانُ الحكيمُ لَمَّا أوصاه ولدُه وقال له:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ}[لقمان: آية ١٧] أَتْبَعَ ذلك بقولِه: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} لأنه يعلمُ أن الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ يستلزمُ اتباعَ إصابةِ الأَذَى من الناسِ كما لا يَخْفَى، فعلى طلبةِ العلمِ أن يعتبروا بأمثالِ هذه الآياتِ، وينصحوا لأمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا يكتموا العلمَ عند الحاجةِ إليه، وَيُبَلِّغُوهُ على الوجهِ الأكملِ بالإيضاحِ والحكمةِ والصبرِ على الأَذَى.