للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرجُفْ ... رَوَانِقُ أَلْيَتَيْكَ وتُسْتَطَارَا

وفي هذه الآيةِ الكريمةِ سؤالٌ معروفٌ مشهورٌ عند العلماءِ وطلبةِ العلمِ، وهو: أن اللهَ في هذه الآيةِ الكريمةِ من سورةِ الأعرافِ بَيَّنَ أن الذي أَهْلَكَ اللهُ به قومَ شعيبٍ رجفةٌ، حيث قال: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩١)} [الأعراف: آية ٩١] جَاثِمِينَ: أي: مَوْتَى، وَكُلُّ واحدٍ منهم مُنْكَبٌّ على وجهِه لا روحَ في جسدِه، والجاثمُ: الذي يلزمُ مَحَلاًّ واحدًا، لَرُبَّمَا كان على وجهِه كما هو معروفٌ، ومنه قولُ زهيرٍ في معلقتِه (١):

بِهَا العِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً ... وَأَطْلَاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ

المجثمُ: مكانُ الجثومِ، وهو المكانُ الذي كان فيه مُنْكَبًّا على وجهِه غالبًا. وهنا قال إن سببَ إهلاكِهم بالرجفةِ، وصرَّح بسورةِ هودٍ بأن سببَ إهلاكِهم صيحةٌ، حيث قال: {وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [هود: آية ٩٤] وصرَّح في سورةِ الشعراءِ أن قومَ شعيبٍ أصحابَ الظلةِ كان عذابُهم في ظُلَّةٍ، المذكور فِي قولِه: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الشعراء: آية ١٨٩] تارةً يُعَبِّرُ عن سببِ إهلاكِهم بالرجفةِ، وتارةً بالصيحةِ، وتارةً بالظُّلَّةِ، فهذا هو وجهُ السؤالِ المعروفِ في هذه الآياتِ (٢).

وحاصلُ الجوابِ: أن العلماءَ اختلفوا - كما قَدَّمْنَا - هل شعيبٌ أُرْسِلَ إلى أمةٍ واحدةٍ أو أُرْسِلَ إلى أُمَّتَيْنِ (٣)؟ وكان قتادةُ


(١) مضى عند تفسير الآية (٧٨) من هذه السورة.
(٢) انظر: الأضواء (٢/ ٣٢٧).
(٣) مضى عند تفسير الآية (٨٥) من هذه السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>