للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً، بيضاً وسوداً، عرباً وعجماً، أشرافاً وسوقة، أغنياء وفقراء، ليس هناك نفس شريفة وأخرى وضيعة، بل الجميع سواء؛ وأصلهم واحد قال الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} (١). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول (النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ) (٢).

وتظهر المساواة في إنفاذ أحكام الإسلام، وقوانين الشريعة في جميع المسلمين بلا تمييز بينهم. يقول الله تعالى في أحكام القصاص {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} (٣). ويقول عزَّ وجلَّ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (٤). وحين شفع أسامة بن زيد رضي الله عنهما، في إعفاء المخزومية من حد السرقة، أبَىَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-ذلك، ورد الشفاعة في حدود الله؛ لأن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس، ويؤدي إلى إيثار ذوي الوجهاء بإعفائهم من العقاب، مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس، وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن ذلك الأمر إذا ساد في مجتمع أدى به إلى الزوال، فقال (إِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (٥)

ولما طلب وجهاء قريش من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يطرد الفقراء والمساكين وضعاف الناس الذين التفوا حوله وآمنوا به، كعمار بن ياسر، وبلال، نزل قول الله تعالى


(١) - سورة الروم آية: ٢٠
(٢) - رواه أبو داود. باب في التفاخر بالأنساب رقم الحديث: ٥١١٦، والترمذي. أبواب المناقب رقم الحديث: ٤٢٣٣و ٤٢٣٤٤. كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه
(٣) - سورة البقرة آية: ١٧٨
(٤) - سورة المائدة آية: ٤٥
(٥) - البخاري. كتاب أحاديث الأنبياء. باب حديث الغار. رقم الحديث: ٣٤٧٥، ومسلم. كتاب الحدود. باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود. رقم الحديث: ١٦٨٨. كلاهما عن أمنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

<<  <   >  >>