للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:
مسار الصفحة الحالية:

٤٨٠ - أَخْبَرَنَا عمرُ بنُ الحسنِ بنِ عليٍّ قالَ: أخبرنا عُبيدُاللهِ بنُ أحمدَ بنِ منصورٍ الكسائيُّ قالَ: حَدَّثَنَا الحارثُ بنُ عبدِاللهِ بنِ إسماعيلَ بنِ عقيلٍ الحارثيُّ الخازنُ قالَ: حدثنا أبومعشرٍ، عن أفلحَ بنِ عبدِاللهِ وإسماعيلَ بنِ رافعٍ، عَنِ الزُّهريِّ قالَ: كنتُ في سمرِ الوليدِ بنِ عبدِالملكِ فقرأَ: {الذي تَوَلَّى كِبْرَهُ} [النور: ١١] ثُمَّ قالَ لِي: مَن تولَّى كِبْرَ عائشةَ؟ أليسَ فُلانًا؟ قالَ: قلتُ: لإنْ قلتُ لا وقعتُ مِنه فِي شرٍّ، وإنْ قلتُ نَعم كذبتُ عَلَى رجلٍ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قلتُ: مَا عوَّدني اللهُ عزَّ وجلَّ عَلَى الصدقِ إلا خيراً، قلتُ: لا، قالَ: فمَن فمَن؟ قالَ: فضربَ بقضيبٍ مَعَهُ السريرَ وَهُوَ يقولُ لِي: فمَن؟ قالَ: قلتُ حدَّثني عروةُ بنُ الزبيرِ وعلقمةُ بنُ وقاصٍ الليثيُّ وسعيدُ بنُ المسيبِ حَدِيثًا وَاحِدًا بعضُهم أحسنُ سِيَاقَةً مِن بعضٍ قَالوا: قالتْ عائشةُ:

غَزا رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوةَ بَني المُصطلقِ فساهَمَ بينَ نسائِهِ فخرجَ سَهمي وسهمُ أُمِّ سلمةَ، فخرجْنا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا قَفَلنا مِن غزوَتِنا وكانَ بينَنا وبينَ المدينةِ لَيلَتانِ، قالتْ: وكُنا فِي خِفَّةٍ مِن اللحمِ إنَّما نأكُلُ العُلقَ، وكانتْ إِحدانا تجلسُ فِي الهَودجِ ثُمَّ تُحملُ كَمَا هِيَ فتوضَعُ عَلَى البعيرِ، قالتْ: فغيَّروا رَحْلَ أمِّ سلمةَ قالتْ: فقلتُ لَوْ أنِّي قضيتُ مِن حاجَتي قَدْرَ مَا يَصنعونَ رَحْلَها، قالتْ: فخرجتُ أَقضي حاجَتي فسقطَتْ قِلادةٌ كانتْ فِي عُنقي مِن جَزعِ أظفارٍ يمانيةٍ، قالتْ: فلمَّا رجعتُ ألتمِسُها ظنُّوا أنِّي فِي الهَودجِ فاحتَمَلوه فوضَعُوه عَلَى البعيرِ، قالتْ: جئتُ ألتمسُ ⦗٢٢٣⦘ فَإِذَا هُمْ قَدْ ذهَبوا، قالتْ: قلتُ: مَا أجدُ شَيْئًا خَيْرًا مِن أَن أَضطجِعَ فِي مَضجعي لعلَّهم يَلتمِسوني إِذَا فَقَدوني.

قالتْ: فاضطجعتُ فَإِذَا رجلٌ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كأنَّه ساقَةُ القومِ يُقالُ لَهُ: صفوانُ بنُ مُعَطَّلٍ السُّلميُّ، فقالَ: أيُّها النائمُ، وحسبَني رَجُلًا، فرفعتُ رَأْسِي فعَرَفني، قالتْ: وكانَ أبصَرَني قبلَ الحِجابِ، قالتْ: فاسترجَعَ وعقلَ يَدَيْ بعيرِهِ قالَ: يَا أَمتاهُ إِذَا استويتِ عليهِ فآذِنيني، قالتْ: فلمَّا استويتُ عَلَيْهِ آذنتُهُ، فأخَذَ برأسِ بعيرِهِ فجاءَ العسكرَ ظُهراً، فقالَ عبدُاللهِ بنُ أُبَيِّ بنِ سَلولٍ: مَا خَلا بِهَا إِلا لِكذا وكَذا، وأعانَهُ عَلَى ذلكَ مِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ بنِ عَبادِ بنِ المطلبٍ، وأعانَهُ حسانُ بنُ ثابتٍ وحمنةُ بنتُ جحشٍ.

قالتْ: فلمَّا كثرُ القولُ في الناسِ أرسَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عليٍّ وَإِلَى أسامةَ يَستشيرُهما فِي فراقِ أهلِهِ، قالتْ: وَقَدْ كانَ رابَني مِن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنِّي اشتكيتُ فكانَ لا يقولُ / إِلا: "كيفَ تِيكم؟ " قالتْ: وَقَدْ كنتُ أَعرفُ مِن وَجْدِهِ بِي مَا أَعرفُ، فقالَ لَهُمَا: "مَا تَريانِ؟ " فكانَ أحدُ الرَّجلينِ أَلينَ قَوْلًا مِن الآخَرِ، أمَّا عليٌّ فقالَ: النساءُ كثيرٌ يَا رسولَ اللهِ، وإِن تسأَلْ عَنْهَا بَريرةَ تَصدُقكَ، قالَ أسامةُ: يا رسولَ اللهِ، الناسُ يكذبونَ ويكثرونَ، ما علمتُ عَلَى أَهلِكم إِلا خَيْرًا، وإِن تسأَل عَنْهَا بَريرةَ تَصدُقكَ، فدَعا بَريرةَ فقالَ: "أيَّ امرأةٍ تَعلمينَ عائشةَ؟ " قالتْ: ما علمتُ عليها إِلا خَيْرًا، إِلا أنَّها امرأةٌ رقودٌ ترقدُ حَتَّى تأتيَ الشاةُ فتأكُلُ عَجينَها، وإنَّها لأَطيبُ مِن طيبِ الذهبِ، وإنْ كانَ كَمَا قالَ الناسُ ليُخبرنَّكَ اللهُ عزَّ وجلَّ، فعجبَ الناسُ مِن قولِها.

ثُمَّ جلسَ عَلَى المنبرِ فحمدَ اللهَ عزَّ وجلَّ وأَثنى عَلَيْهِ ثُمَّ قالَ: "مَن يَعذِرُني مِمن ⦗٢٢٤⦘ يُؤذيني فِي أَهلي؟ إنَّهم ليَقولونَ لرجلٍ مَا يدخلُ البيتَ إِلا مَعي، وَلا يسافِرُ إِذَا سافَرَ إِلا مَعي وَمَا علمتُ عَلَى أَهلي إِلا خَيْرًا"، فقالَ سعدُ بنُ معاذٍ: أَنا أَعذِرُك مِنه يَا رسولَ اللهِ، إِن يكنْ مِن الأوسِ فأَنا آتيكَ برأسِهِ، وإِن يكنْ مِن إخوانِنا مِن الخزرجِ أمَرْتنا بأمرِكَ مَضينا لَهُ، قالتْ: فقالَ سعدُ بنُ عُبادةَ: كذبتَ، لا واللهِ لا تقتُلُه وَلا تقدِرُ عَلَى قتلِهِ، مَا تأخُذونا إِلا بدخولٍ كانتْ بينَنا وبينَكم فِي الجاهليةِ، قالَ: اللهُ أعلمُ بِمَا فِي نَفسي ونفسِكَ، قالَ أُسيدُ بنُ حُضيرٍ: كذبتَ واللهِ لَنقتُلَنَّه وأنفُكَ راغِمٌ، أنتَ المنافقُ تُجادلُ عَنِ المنافقينَ، فقالَ سعدٌ: يَا آلَ الخزرجِ، وقالَ سعدُ بنُ معاذٍ: يَا آلَ الأوسِ، وانحازَ هَذَا إِلَى الخزرجِ وانحازَ هَذَا إِلَى الأوسِ إِلا رَجلينِ مِن الخزرجِ كَانَا فِي حَيِّزِ الأوسِ: عمارةُ بنُ جوين وأبوأيوبَ خالدُ بنُ زيدِ بنِ كُليبٍ، والمهاجِرونَ فِي حيِّزِ الأوسِ، فردَّ الحيَّانِ بعضُهم عَنْ بعضٍ، فقالَ أسيدُ بنُ حُضيرٍ: فيمَ الكلامُ؟ هَذَا رسولُ اللِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمُرُنا بأمرِهِ نَمضي لَهُ، قالَ: فأشارَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الحَيَّينِ كِليهما فجَلَسوا، وندمَ سعدُ بنُ عُبادةَ عَلَى مَا قالَ، قالتْ عائشةُ: إنْ كانَ امْرَءًا صَالِحًا قبلَ ذلكَ وَلِكِنِ الحَميَّة، وكانَ رجلانِ مِن أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سمِعا شَيْئًا مِن هَذَا قَالوا: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦]، زيدُ بنُ حارثةَ وأبوأيوبَ خالدُ بنُ زيدٍ.

قالتْ عائشةُ: فَمَا علمتُ بشيءٍ مِما كانَ فِي المسجدِ حَتَّى أَمسيتُ، قالتْ: فخرجتُ لِما يخرجُ النساءُ لَهُ وَلَمْ نكُن اتخَذْنا كَرايِيسَ، وخرجَتْ مَعي أُمُّ مِسْطَحٍ مَعَهَا شَجْبُ ماءٍ، فعقَلَها إِزارُها قالتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، قالتْ: قلتُ: سبحانَ اللهِ، شَتمتِ رَجُلًا مِن المُهاجرينَ قَدْ شهدَ بَدْرًا! قالتْ: سالَ تحتَكِ السيلُ، أَوَما تَدرينَ ⦗٢٢٥⦘ أنَّه قالَ كَذا وكَذا، وقَالوا كَذا؟ قالتْ عائشةُ: فقلَصَ ذاكَ مِني فَمَا قدرتُ عَلَى أَن أَقضيَ حَاجَةً، قالتْ: وبكيتُ مِن العَشِيِّ حَتَّى الصباحِ مَا دخلَ فِي عَينيَّ النومُ وَلا تجفُّ لِي عينٌ وَلا يدخُلُها النومُ.

قالتْ: فدخلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشَاءً قالتْ: قلتُ: يَا رسولَ اللهِ آتِي أَبَويَّ؟ قالَ: "نَعم"، قالتْ: جئتُ أَبَويَّ فقلتُ: أَلا أَخبرتُموني بِمَا قالَ الناسُ حَتَّى أَعتذرَ إِلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فقالَ أبوبكرٍ: واللهِ لَوددتُ أنِّي لم أركِ قطُّ وودتُ أنَّكِ حِيضَةٌ مَا قيلَ لِي هَذَا فِي الجاهليةِ قطُّ فَفِي الإسلامِ! قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أُخزيكَ أَبَدًا، قالتْ: وقالتْ أُمي: يَا بنيةُ خَفِّضي عليكِ شأنَكِ، فقَلَّ مَا كانَت امرأةٌ حسناءُ قطُّ لَهَا ضرائِرُ يُحبُّها زوجُها إِلا بَغَيْنَها شَرًّا.

قالتْ: فدخَلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: "يَا عائشةُ، إِن كنتِ فعلْتِ شَيْئًا مِما قَالوا فآذِنيني أَستغفِرْ لكِ" قالَ: قلتُ لأَبَويَّ: أَجيبا عنِّي رسولَ اللهِ عليه السلامُ، فقالَ أبوبكرٍ: واللهِ مَا أَدري مَا أُجيبُه عنكِ؟ قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أَستغفرُ اللهَ مِن هَذَا الحديثِ أَبَدًا، إنْ كنتُ عملتُه فَلا غَفرَ اللهُ لِي، مَا أجدُ مِثْلِي ومثلَكم إِلا كمثلِ أَبِي يوسفَ عَلَيْهِ السلامُ /- قالَ: وَمَا أَهتدي لاسمِ يعقوبَ عَلَيْهِ السلامُ مِن الأَسَفِ - حينَ قالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: ١٨]، وبكيتُ.

قالتْ: ثُمَّ أَخذَ رسولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ كهيئةِ النَّعسةِ، قالتْ: فقالَ أبوبكرٍ: احتَضنيهِ، قالتْ: قلتُ: واللهِ لا أَمسُّه، قالتْ: فسُرِّيَ عَنْهُ وَهُوَ يضحكُ قالَ: "شَعرتِ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أنزلَ براءَتَكِ؟ " قالتْ: قلتُ: بحمدِ اللهِ وَلا بحمدِكَ، فأَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: ١١] إِلَى ⦗٢٢٦⦘ قولِهِ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} [النور: ٢٦].

فقالَ أبوبكرٍ: لا أنفعُ مِسْطَحاً بمنفعةٍ أَبَدًا فَقَدْ كنتُ أَمونُهُ، فأَنزلَ اللهُ تَبارك وتَعالى عَلَى نبيِّه: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور: ٢٢] إِلَى آخرِ الآيةِ، وكفَّرَ أبوبكرٍ عَنْ يَمينِهِ وأحسنَ إِلَيْهِ بعدُ ورادَّهُ إِلَى مَا كانَ يصنعُ قبلُ إليهِ، ونزلَ فِي شأنِ عائشةَ فِي سورةِ النورِ بعدَ العشرِ: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} إِلَى قولِهِ: {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}.

<<  <   >  >>