هي أحسن أولاً فقال:(أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى) ثم ذكر كلامًا حتى قال: ثم قال تعالى متوعداً ومتهدداً: (كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد (لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ). اهـ.
وقال السعدي بعد أن ذكر تفسيرها:(وهذا عام لكل ناهٍ عن الخير، ولكل منهي عنه وإن كانت نازلةً في شأن أبي جهل حين نهى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة، وعذبه وآذاه) اهـ.
وقال ابن عاشور:(الذي ينهى اتفقوا على أنه أُريد به أبو جهل إذ قال قولاً يريد به نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يصلي في المسجد الحرام فقال في ناديه: لئن رأيت محمداً يصلي في الكعبة لأطأن على عنقه). اهـ.
هذه أقوال المفسرين قد أطبقت واجتمعت على أن المراد بهذه الآيات أبو جهل حيث لم يحتمل رؤية رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ساجدا لربه، منكسراً بين يديه فحمله الحقد والغيظ على النيل من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأراد أن يطأ على العنق الكريم. فصان ربُّ العالمين رسولَه الأمين من كيد هذا الفاجر اللعين وأراه من القدرة الإلهية ما لم ير أو يعرفْ مثله عند أصنامه المنسية.
أما قول الراوي: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: لا ندري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه.
فإن هذا لا يقدح في السببية لأن نزول هذه الآيات بسبب تلك القصة أجلى وأبين من أن يحتاج إلى التصريح بالنزول، فإن كان التصريح بالنزول محفوظاً فهذا أكمل، وإن لم يكن كذلك فما بين سياق القرآن وسياق الحديث من الموافقة والانسجام يغني عن ذلك ويشفي واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وموافقته سياق القرآن، وإجماع المفسرين عليه والله أعلم.