ثم قال ابن كثير: وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة لما قدما على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال له عامر بن الطفيل - لعنه الله - أما واللَّه لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يأبى الله عليك ذلك وأبناء قَيْلَة) يعني الأنصار، ثم إنهما هَمَّا بالفتك برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فجعل أحدهما يخاطبه والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه فحماه الله تعالى منهما وعصمه، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس لحربه - عليه الصلاة والسلام - فأرسل اللَّه على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته، وأما عامر بن الطفيل فأرسل اللَّه عليه الطاعون فخرجت فيه غدة عظيمة فجعل يقول يا آل عامر غدة كغدة البَكر، وموت في بيت سلولية حتى ماتا لعنهما الله وأنزل اللَّه في مثل ذلك:(وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ). اهـ.
فأما الحديث الذي معنا فإسناده ضعيف لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية الكريمة.
وأما الأحاديث التي سيقت في قصة اليهودي، أو عامر بن الطفيل فليست أسانيدها مما يعول عليه أو يحتج به، ولعل هذا هو سبب إعراض أصحاب الكتب التسعة عنها.
وقد قال ابن عطية كلامًا يوحي بالشك في السببية: فقال: (قيل إنه أدخلها في التنبيه على القدرة بغير سبب ساق ذلك). اهـ يعني قوله (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ).
وقال في موضع آخر:(ويجوز - إن كانت الآية على غير سبب - أن يكون قوله: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ) إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم الذين جلبت لهم هذه التنبيهات). اهـ.
وقال ابن عاشور: (ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول ولم يثبت في ذلك خبر صحيح