فقعد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على جبا الركية، فإما دعا وإما بسق فيها، قال: فجاشت فسقينا واستقينا. قال: ثم إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس، قال:(بايع يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول اللَّه في أول الناس. قال:(وأيضاً) قال: ورآني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَزِلاً - يعني ليس معه سلاح -. قال: فأعطاني رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَجَفةً أو درقةً، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال:(ألا تبايعني يا سلمة) قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس وفي أوسط الناس، قال:(وأيضاً) قال: فبايعته الثالثة، ثم قال لي:(يا سلمة أين حَجَفَتُكَ أو درقتك التي أعطيتك؟) قال: قلت: يا رسول اللَّه لقيني عمي عامر عَزِلاً فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال:(إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيباً هو أحب إليَّ من نفسي) ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعاً لطلحة بن عبيد اللَّه أسقي فرسه، وأَحسه، وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجرًا إلى الله ورسوله، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم، واضطجعوا، فبينما هم كذلك، إذ نادى منادٍ من أسفل الوادي: يا للمهاجرين قُتل ابن زُنيم. قال: فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذتُ سلاحهم، فجعلته ضِغثاً في يدي. قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: وجاء عمي عامر برجل من القَبَلات يُقال له مكرز يقوده إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على فرس مُجَفف في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال:(دعوهم يكن لهم بدءُ الفجور وثناه) فعفا عنهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل اللَّه:(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ... ) الآية.