للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبالنسبة لنجاسة الخمر فالنجاسة معنوية لا حسية، والراجح في ورود كلمة (رجس) للخمر هو الرجس المعنوي وذلك للزجر والتغليظ، وليس المراد النجاسة الحسية كما قد يظن، فالآية واضحة المعنى في ذلك، حيث أن الضمير في (فاجتنبوه) يعود على الرجس الجامع للأربعة على الراجح عند الكثيرين، ولا تتصور النجاسة في جميعها ولا يستثنى بعضها بحكم لا يسري على غيرها، فهذا مخالف للقواعد العلمية المعروفة.

ثم إن الإسكار ليس علة في النجاسة حيث لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم صريح ولا ضعيف في ذلك من الكتاب ولا من السنة، ولكن من قال بنجاسة غير الخمر بالقياس على الخمر، ولا وجه للقياس هنا، فلو صرحت الأحاديث بنجاسة غير الخمر من المسكرات لقسنا الخمر عليها ولا عكس، فتنبه لذلك.

وإن قيل: إن الإسكار علة للنجاسة عند من علل القول بنجاسة الخمر، فما أفضى إلى المطلوب فهو مطلوب، فيكون التنجيس مطلوبا، وقد رد ذلك بأن تعليل النجاسة بالإسكار بعيد، ولكن يمكن أن تعلل الخمرية بالإسكار ويعني ذلك ثبوت اسم الخمرية وحكمها إذا كانت علة الإسكار موجودة، أما النجاسة فلا علاقة بينها وبين الإسكار كما وضحناه من قبل.

وقد استدعى ذلك مني أن أفرد فصلا للمادة المسكرة غير الخمر، والتي لم يقل أحد بنجاستها، ألا وهي المخدرات والمفترات، فتناولت مطلبا في هذا الفصل في الطهارة والنجاسة لهذه المخدرات والتي بأنواعها وأشكالها طاهرة عند الجمهور مع اتفاقهم على حرمتها، فالحرمة شيء والنجاسة شيء آخر فلا يلزم من حرمة شيء نجاسته كالسم ولا تلازم بين الحكمين.

هذا وقد بينت أن الكحول يستخلص من وجوده الطبيعي في البطاطس والحمضيات وغيرها بطريقة موضحة في بابها من هذا البحث، فلا دخل للنجاسة فيه من قريب ولا بعيد، وأوضح شيء في ذلك قول عامة الفقهاء: الخمرة نجسة وإن جمدت والحشيشة طاهرة وإن انماعت، فالخل طاهر وقد كان خمرا، وقد ثبت بالأدلة العلمية أن به نسبة يسيرة من الكحول كما أفادتنا به الأوساط العلمية، وحتى من قال بانعدام الكحول فيه فإن قلنا بنجاسة الكحول لا يعني ذلك طهارة الخل لأن النجاسة قد تحللت في مائع، فلا أحد من العلماء يقول بطهارة الشيء المائع إذا وقعت به نجاسة صلبة فضلا عن أنها مائعة. فما علينا إلا أن نقول، التخلل إنما هو نقل الخمر من الحرمة إلى الحل، وليس من النجاسة إلى الطهارة، فتدبر.

وفي الختام أتوجه بالشكر إلى كل من ساهم في إنجاز هذا البحث من أفراد ومؤسسات وشركات، هذا وأسأل الله أن يتوج هذه الرسالة بالقبول إنه سميع قريب، ومن رأى فيها خللا أو إفراطا فالعبد لا يخلو من التقصير، والكمال للعلي القدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>