فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (أَوْ مُرَخَّصٌ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ (أَوْ حَرَامٌ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْحَقِّ حَتَّى (يُؤْجَرَ مَرَّةً، وَيَأْثَمَ أُخْرَى، وَلَا الِاخْتِيَارَ) أَيْ: لَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ (لِأَنَّهُ حَلٌّ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَهْوَنِ وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِغَيْرِ حَقٍّ إنْ كَانَ عُذْرًا شَرْعًا يَقْطَعُ الْحُكْمَ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ لِعَدَمِ اخْتِيَارِهِ) الْإِكْرَاهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِمَّا بِغَيْرِ حَقٍّ ثُمَّ هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ: وَاعْلَمْ أَنِّي أَقَمْت لَفْظَ الْفَاعِلِ مَقَامَ الْمُكْرَهِ بِالْفَتْحِ وَلَفْظُ الْحَامِلِ مَقَامَ الْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ الْفَتْحُ بِالْكَسْرِ (وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي دَفْعَ الضَّرَرِ بِدُونِ رِضَاهُ) أَيْ: رِضَا الْفَاعِلِ (ثُمَّ إنْ أَمْكَنَ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْحَامِلِ يُنْسَبُ وَإِلَّا يَبْطُلُ فَتَبْطُلُ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا) ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْأَقْوَالِ إلَى غَيْرِ الْمُتَكَلِّمِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِ غَيْرِهِ (وَيَضْمَنُ الْحَامِلُ الْأَمْوَالَ) أَيْ: إذَا أَكْرَهَهُ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْإِتْلَافِ إلَى الْحَامِلِ مُمْكِنٌ، فَيُجْعَلُ الْفَاعِلُ آلَةً لِلْحَامِلِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا لَا يُقْطَعُ) أَيْ: الْحُكْمُ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ (فَيُحَدُّ الزَّانِي وَيُقْتَصُّ الْقَاتِلُ مُكْرَهَيْنِ وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ الْحَامِلُ بِالتَّسْبِيبِ) جَوَابُ إشْكَالٍ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تُقْطَعْ نِسْبَةُ الْحُكْمِ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ يَكُونُ الْفَاعِلُ هُوَ الْقَاتِلُ فَيَجِبُ أَنْ يَقْتَصَّ هُوَ وَلَا يَقْتَصُّ الْحَامِلُ لَكِنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَأَجَابَ بِأَنَّ الْحَامِلَ إنَّمَا يَقْتَصُّ بِالتَّسْبِيبِ (وَإِنْ كَانَ الْإِكْرَاهُ حَقًّا لَا يُقْطَعُ أَيْضًا) أَيْ:
ــ
[التلويح]
مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْفَاعِلِ آلَةً أَنَّ الْحَامِلَ يُمْكِنُهُ إيجَادُ الْفِعْلِ الْمَطْلُوبِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا حَمَلَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ بِوَعِيدِ التَّلَفِ صَارَ كَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ مُبَاشَرَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ يَبْقَى مَقْصُورًا عَلَى الْفَاعِلِ. (قَوْلُهُ: فَالْأَقْوَالُ كُلُّهَا لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ) يَعْنِي: أَنَّ شَيْئًا مِنْ الْأَقْوَالِ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ عَلَيْهِ لِامْتِنَاعِ التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ الْغَيْرِ، وَأَمَّا مَا يُقَالُ: مِنْ أَنَّ كَلَامَ الرَّسُولِ كَلَامُ الْمُرْسِلِ فَهُوَ مَجَازٌ إذْ الْعِبْرَةُ بِالتَّبْلِيغِ، وَهُوَ قَدْ يَكُونُ مُشَافَهَةً، وَقَدْ يَكُونُ بِوَاسِطَةٍ، وَذُكِرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْبَرْغَرِيَّةِ أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى التَّكَلُّمِ بِلِسَانِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ، وَإِنَّمَا النَّظَرُ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الْكَلَامِ، وَإِلَى الْحُكْمِ فَمَتَى كَانَ فِي وُسْعِهِ تَحْصِيلُ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِنَفْسِهِ يُجْعَلُ ذَلِكَ الْغَيْرُ آلَةً لَهُ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ فِي وُسْعِهِ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ غَيْرُهُ آلَةً فَالرَّجُلُ قَادِرٌ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَتِهِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِهِ فَإِذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ يُجْعَلُ فَاعِلًا تَقْدِيرًا، وَاعْتِبَارًا بِخِلَافِ الْحَامِلِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ بِنَفْسِهِ عَلَى تَطْلِيقِ امْرَأَةِ الْغَيْرِ، وَإِعْتَاقِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُجْعَلَ الْفَاعِلُ آلَةً.
(قَوْلُهُ: فَلِأَنَّهُ تَنْفِيذٌ بِالْإِكْرَاهِ، وَهُوَ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ أَوْلَى) يَعْنِي: أَنَّ الْإِكْرَاهَ دُونَ الْهَزْلِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ فِي مَنْعِ نَفَاذِ التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ كَمَالَ النَّفَاذِ بِصِحَّةِ اخْتِيَارِ السَّبَبِ، وَالْحُكْمِ، وَالرِّضَى بِهِمَا جَمِيعًا فَفِي كُلٍّ مِنْ الْهَزْلِ، وَخِيَارِ الشَّرْطِ قَدْ انْتَفَى الِاخْتِيَارُ، وَالرِّضَى فِي جَانِبِ الْحُكْمِ، وَإِنْ وُجِدَا فِي جَانِبِ السَّبَبِ، وَفِي الْإِكْرَاهِ لَمْ يَنْتَفِ الِاخْتِيَارُ فِي السَّبَبِ، وَلَا فِي الْحُكْمِ لَكِنَّهُ فَسَدَ، وَالْفَاسِدُ ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَعْدُومِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَانْتِفَاءُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute