وَهُوَ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ (فَالنِّكَاحُ، وَإِنْ صَحَّ لَكِنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ مُبْتَدَأَةٌ فَلَا تَجِبُ كَالْمِيرَاثِ إذْ لَوْ وَجَبَتْ تَصِيرُ الدِّيَانَةُ مُتَعَدِّيَةً) ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشُّبْهَةِ لِدَرْءِ حَدِّ الْقَذْفِ شُبْهَةُ عَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَهَذَا الدَّلِيلُ مُشْعِرٌ بِتَسْلِيمِ صِحَّةِ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ، وَكَوْنِهَا حُكْمًا أَصْلِيًّا فِي حَقِّهِمْ (وَالْجَوَابُ) أَيْ: جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي النَّفَقَةِ (أَنَّهَا لِدَفْعِ الْهَلَاكِ) فَإِيجَابُ النَّفَقَةِ بِنَاءً عَلَى دِيَانَتِهِمْ لَا يَكُونُ قَوْلًا بِأَنَّ دِيَانَتَهُمْ مُتَعَدِّيَةٌ بَلْ دِيَانَتُهُمْ دَافِعَةٌ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ حَابِسٌ لِلزَّوْجَةِ فَإِنْ حَبَسَهَا بِلَا نَفَقَةٍ يَكُونُ مُتَعَرِّضًا لَهَا بِالْإِهْلَاكِ فَإِيجَابُ النَّفَقَةِ دَفْعٌ لِهَذَا التَّعَرُّضِ ثُمَّ وَرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّ إيجَابَ النَّفَقَةِ لَيْسَ لِدَفْعِ الْهَلَاكِ بِدَلِيلِ وُجُوبِهَا مَعَ غِنَى الْمَرْأَةِ، فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَغِنَاهَا لَا يَدْفَعُ الْحَاجَةَ الدَّائِمَةَ بِدَوَامِ الْحَبْسِ، وَأَمَّا جَهْلٌ كَمَا ذَكَرْنَا) أَيْ: لَا يَصْلُحُ عُذْرًا، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ، وَأَمَّا جَهْلٌ لَا يَصْلُحُ عُذْرًا (لَكِنَّهُ دُونَهُ) أَيْ: دُونَ الْجَهْلِ الْأَوَّلِ (كَجَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحْكَامِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الْوَاضِحِ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُؤَوِّلًا لِلْقُرْآنِ كَانَ دُونَ الْأَوَّلِ وَلَمَّا كَانَ مُسْلِمًا لَزِمَنَا مُنَاظَرَتُهُ وَإِلْزَامُهُ، فَلَا يُتْرَكُ عَلَى دِيَانَتِهِ فَلَزِمَهُ جَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَكَجَهْلِ الْبَاغِي، فَيَضْمَنُ بِإِتْلَافِ مَالِ الْعَادِلِ أَوْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنَعَةٌ، فَتَسْقُطُ وِلَايَةُ الْإِلْزَامِ وَتَجِبُ عَلَيْنَا مُحَارَبَتُهُ وَلَمْ يُحْرَمْ الْمِيرَاثَ بِقَتْلِهِ
ــ
[التلويح]
قَضَاءِ الظُّهْرِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِعَدَمِ الْوُضُوءِ حِينَ صَلَّى، وَأَنَّ الصَّلَاةَ الْمُؤَدَّاةَ بِغَيْرِ وُضُوءٍ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِذَلِكَ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ. (قَوْلُهُ: وَإِذَا عَفَا أَحَدُ الْوَلِيَّيْنِ، وَاقْتَصَّ الْآخَرُ) بِجَهْلِهِ بِالْعَفْوِ أَوْ بِأَنَّ عَفْوَ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ يُسْقِطُ الْقَوَدَ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ لَا الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّ هَذَا جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ؛ وَلِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا ثَبَتَ لِوَلِيَّيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ التَّفَرُّدُ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ عَفَا أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْقَتْلُ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ فَلَا يَكُونُ اجْتِهَادًا صَحِيحًا بَلْ هُوَ جَهْلٌ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ لِأَنَّهُ عُلِمَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَمَا ثَبَتَ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُ وَأَيْضًا الظَّاهِرُ عَدَمُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَيَكُونُ مَحَلَّ الِاشْتِبَاهِ، وَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ.
(قَوْلُهُ: إذْ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ) يَعْنِي: كَفَّارَةَ الصَّوْمِ تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْعُقُوبَةِ فِيهَا، وَهَذَا إذَا اسْتَفْتَى فَقِيهًا، فَأَفْتَاهُ بِفَسَادِ الصَّوْمِ فَحَصَلَ لَهُ الظَّنُّ بِذَلِكَ أَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ أَعْنِي: قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ، وَالْمَحْجُومُ» ، وَلَمْ يَعْرِفْ نَسْخَهُ، وَلَا تَأْوِيلَهُ، وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اتِّفَاقًا، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ كَانَ ظَنُّهُ مُسْتَنِدًا إلَى الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِظَوَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا التَّمَسُّكُ بِهَا لِلْفُقَهَاءِ، وَالْقَوْلُ بِفَسَادِ الصَّوْمِ بِالْحِجَامَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوْزَاعِيُّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ اجْتِهَادًا صَحِيحًا لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ.
(وَقَوْلُهُ وَمَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ يَظُنُّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَالَ الزَّوْجَةِ مَالُ الزَّوْجِ مِنْ وَجْهٍ لِفَرْطِ الِاخْتِلَاطِ أَوْ حِلِّ الزَّوْجَةِ يُوجِبُ حِلَّ مَمْلُوكَتِهَا، وَأَنَّ مِلْكَ الْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute