زِيَادَةِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، وَفِي تَوَهُّمِ الْإِهْمَالِ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ: - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَمْهَلْنَاهُمْ فَظَنُّوا أَنَّنَا أَهْمَلْنَاهُمْ» وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: ١٨٢] {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف: ١٨٣] وَقَالَ {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: ١٧٨] وَقَالَ {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: ١١٥] الْآيَةَ (فَيَثْبُتُ عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (تَقَوُّمُ الْخَمْرِ وَالضَّمَانُ بِإِتْلَافِهَا، وَجَوَازُ الْبَيْعِ) وَنَحْوِهَا (وَصِحَّةُ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ حَتَّى إنْ وَطِئَ فِيهِ) أَيْ: فِي نِكَاحِ الْمَحَارِمِ (ثُمَّ أَسْلَمَ يَكُونُ مُحْصَنًا فَإِنَّ الْعِفَّةَ عَنْ الزِّنَا شَرْطٌ لِإِحْصَانِ الْقَذْفِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ وَطْأَهُ فِي هَذَا النِّكَاحِ لَا يَكُونُ زِنًا فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ وَتَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ) أَيْ: بِنِكَاحِ الْمَحَارِمِ (وَلَا يُفْسَخُ) أَيْ: نِكَاحُ الْمَحَارِمِ مَا دَامَ الزَّوْجَانِ كَافِرَيْنِ (إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا) ثُمَّ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى ثُبُوتِ تَقَوُّمِ الْخَمْرِ فِي حَقِّهِمْ وَثُبُوتِ الْإِحْصَانِ بِنِكَاحِ الْمَحَارِمِ بِقَوْلِهِ؛ (لِأَنَّ تَقَوُّمَ
ــ
[التلويح]
شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَبْسُوطِ إنَّ نِكَاحَ الْمَحَارِمِ، وَإِنْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِرْثُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ جَوَازُ نِكَاحِ الْمَحَارِمِ فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ فِي دِينِهِ فَلَا يَثْبُتُ سَبَبًا لِلْمِيرَاثِ بِاعْتِقَادِهِمْ، وَدِيَانَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ لِدِيَانَةِ الذِّمِّيِّ فِي حُكْمٍ إذَا لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَرْعٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا كَذَلِكَ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِهَا) إشَارَةٌ إلَى الْجَوَابِ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى مَجُوسِيٍّ خَلَّفَ بِنْتَيْنِ إحْدَاهُمَا زَوْجَتُهُ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي نِكَاحِ الْمُتَنَاكِحَيْنِ يَعْنِي: الْبِنْتَ الَّتِي لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَارِثِ الْآخَرِ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ زَوْجِ الْمَحْرَمِ حَتَّى يُؤَاخَذَ بِدِيَانَتِهِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامٍ مِنْهُ، فَيَكُونُ تَعْدِيَةً بِخِلَافِ تَضَرُّرِ الزَّوْجِ بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ بِالْتِزَامِهِ فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ تُؤَاخَذَ الْبِنْتُ الْغَيْرُ الْمَنْكُوحَةِ بِدِيَانَتِهَا، وَاعْتِقَادِهَا؛ لِأَنَّهَا مَجُوسِيَّةٌ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى نِزَاعِهَا فِي زِيَادَةِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ نِزَاعِ الزَّوْجِ فِي النَّفَقَةِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نِزَاعُ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ هَذِهِ الدِّيَانَةَ حَيْثُ نَكَحَ الْمَحْرَمُ بِخِلَافِ الْبِنْتِ الْغَيْرِ الْمَنْكُوحَةِ. (قَوْلُهُ: وَغِنَاهَا) يَعْنِي: أَنَّ الْمَالَ فِي نَفْسِهِ إنْ قَلَّ، وَإِنْ كَثُرَ، وَالْحَاجَةُ دَائِمَةٌ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
(قَوْلُهُ كَجَهْلِ صَاحِبِ الْهَوَى) مِثْلُ جَهْلِ الْمُعْتَزِلَةِ بِزِيَادَةِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الذَّاتِ، وَكَوْنِهِ تَعَالَى مَرْئِيًّا فِي الْجَنَّةِ بِالْأَبْصَارِ، وَكَوْنِهِ خَالِقًا لِلشُّرُورِ، وَالْقَبَائِحِ، وَبِجَوَازِ الشَّفَاعَةِ لِحَطِّ الْكَبَائِرِ، وَجَوَازِ الْعَفْوِ عَمَّا دُونَ الْكُفْرِ، وَعَدَمِ خُلُودِ الْفُسَّاقِ فِي النَّارِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الْجَهْلُ عُذْرًا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلدَّلِيلِ الْوَاضِحِ مِنْ الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْمَعْقُولِ، وَإِنَّمَا كَانَ دُونَ جَهْلِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْهَوَى مُؤَوِّلٌ لِلْقُرْآنِ أَيْ: يَصْرِفُهُ عَنْ ظَوَاهِرِهِ الدَّالَّةِ عَلَى نَقِيضِ مُعْتَقَدِهِ، وَيَحْمِلُهُ عَلَى وَفْقِ مُعْتَقَدِهِ لَا أَنْ يَنْبِذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ مِثْلَ الْكَافِرِ، وَفِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ بِالْقُرْآنِ أَيْ: مُتَمَسِّكٌ بِهِ صَارِفٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute