تَعَالَى لَا يَفُوتُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ فَلَهُ أَنْ يُجْرِيَ عَلَى لِسَانِهِ وَإِنْ أَخَذَ) بِالْعَزِيمَةِ وَبَذَلَ نَفْسَهُ حِسْبَةً فِي دِينِهِ فَأَوْلَى، وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَكْلُ مَالِ الْغَيْرِ وَالْإِفْطَارُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْعِبَادَاتِ أَيْ إذَا أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ، أَوْ عَلَى الْإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالرُّخْصَةِ حَقِيقَةً لَكِنْ إنْ أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ وَبَذَلَ نَفْسَهُ فَأَوْلَى.
(وَالثَّانِي) أَيْ الَّذِي هُوَ رُخْصَةٌ حَقِيقَةً لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ مِنْهُ بِكَوْنِهِ رُخْصَةً (مَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ دُونَ الْحُرْمَةِ كَإِفْطَارِ الْمُسَافِرِ) فَإِنَّ الْمُحَرِّمَ لِلْإِفْطَارِ، وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ قَائِمٌ لَكِنَّ حُرْمَةَ الْإِفْطَارِ غَيْرُ قَائِمَةٍ (رُخِّصَ بِنَاءً عَلَى سَبَبِ تَرَاخِي حُكْمِهِ)
ــ
[التلويح]
- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَزِيمَةَ لَوْ كَانَتْ إبَاحَةً لَكَانَتْ الرُّخْصَةُ أَيْضًا كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ وُجُوبًا، أَوْ نَدْبًا إذْ الْعُذْرُ قَدْ يُنَاسِبُهُ الْإِيجَابُ كَأَكْلِ مَالِهِ عِنْدَ خَوْفِ تَلَفِ نَفْسِهِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَزِيمَةَ لَوْ كَانَتْ حُرْمَةً، أَوْ كَرَاهَةً لَكَانَ الطَّرَفُ الْآخَرُ وُجُوبًا، أَوْ نَدْبًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةً كَمَا فِي إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ، فَإِنَّهُ حَرَامٌ وَيُبَاحُ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ. وَكَثِيرٌ مِنْ الرُّخَصِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ، وَلَوْ سَلِمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْوُجُوبَ، أَوْ النَّدْبَ لَا يُنَاسِبُ الِابْتِنَاءَ عَلَى الْأَعْذَارِ كَوُجُوبِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ، أَوْ نَدْبِ إفْطَارِ الْمَرِيضِ عِنْدَ بَعْضِ الْأَضْرَارِ لَا يُقَالُ: الْعَزِيمَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ تُرْجِعُ الْوُجُوبَ كَوُجُوبِ تَرْكِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَوُجُوبِ تَرْكِ أَكْلِ الْمَيْتَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْفَرْضَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْفِعْلُ كَالصَّوْمِ، وَقَدْ يَكُونُ هُوَ التَّرْكُ كَتَرْكِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا تَأْوِيلٌ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ، فَهُوَ غَيْرُ مُفِيدٍ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي حُكْمِ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ الْحُرْمَةُ لَا الْوُجُوبُ وَاسْتِلْزَامُهُ لِوُجُوبِ التَّرْكِ لَا يَنْفِي كَوْنَهُ الْحُرْمَةَ وَإِلَّا لَارْتَفَعَتْ الْحُرْمَةُ مِنْ بَيْنِ الْأَحْكَامِ. وَالْحَقُّ أَنَّ الْعَزِيمَةَ تَشْتَمِلُ الْأَحْكَامَ كُلَّهَا عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُ الْمِيزَانِ بَعْدَ تَقْسِيمِ الْأَحْكَامِ إلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَغَيْرِهَا إنَّ الْعَزِيمَةَ اسْمٌ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَنَحْوِهَا.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَا اُسْتُبِيحَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرِّمِ وَالْحُرْمَةِ) كَلَامُهُ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ مُشْعِرٌ بِانْحِصَارِ حَقِيقَةِ الرُّخْصَةِ فِي الْإِبَاحَةِ وَيَلْزَمُهُ انْحِصَارُ الْعَزِيمَةِ فِي الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُقَابِلُهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِبَاحَةِ هَاهُنَا مُجَرَّدُ تَجْوِيزِ الْفِعْلِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِطَرِيقِ التَّسَاوِي، أَوْ بِدُونِهِ فَيَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ وَالْمُرَادُ بِالْحُرْمَةِ وَالتَّحْرِيمِ فِي الرُّخْصَةِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي جَانِبِ التَّرْكِ فَيَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالْوَاجِبَ أَيْضًا كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ فِي قَوْلِهِ: وَهِيَ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَسُنَّةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute