فَاعِلُهُ، وَلَا يُسِيءُ تَارِكُهُ، وَهُوَ دُونَ سُنَنِ الزَّوَائِدِ، وَهُوَ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلَى النَّفْلِ (لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيمَا لَمْ يَفْعَلْهُ بَعْدُ فَلَهُ إبْطَالُ مَا أَدَّاهُ تَبَعًا، وَعِنْدَنَا يَلْزَمُ) أَيْ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَلِأَنَّ مَا أَدَّاهُ صَارَ لِلَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ صِيَانَتُهُ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى صِيَانَةِ مَا أَدَّاهُ (إلَّا بِلُزُومِ الْبَاقِي فَالتَّرْجِيحُ بِالْمُؤَدَّى
ــ
[التلويح]
بِخِلَافِ النَّفْلِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ أَيْ النَّفَلُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) حَتَّى لَوْ لَمْ يَمْضِ فِيهِ لَا يُؤَاخَذُ بِالْقَضَاءِ، وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّفْلِ التَّخْيِيرُ فِيهِ فَإِذَا شَرَعَ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيمَا لَمْ يَأْتِ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى النَّفْلِيَّةِ إذْ النَّفَلُ لَا يَنْقَلِبُ فَرْضًا وَإِتْمَامُهُ لَا يَكُونُ إسْقَاطًا لِلْوَاجِبِ بَلْ أَدَاءً لِلنَّفْلِ وَلِهَذَا يُبَاحُ الْإِفْطَارُ بِعُذْرِ الضِّيَافَةِ، وَإِذَا كَانَ مُخَيَّرًا فِيمَا لَمْ يَأْتِ فَلَهُ تَرْكُهُ تَحْقِيقًا لِمَعْنَى التَّخْيِيرِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْمُؤَدَّى ضِمْنًا وَتَبَعًا لَا قَصْدًا، فَلَا يَكُونُ إبْطَالًا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْقَصْدِ كَمَنْ سَقَى زَرْعَهُ فَفَسَدَ زَرْعُ الْغَيْرِ بِالنَّزِّ، فَإِنَّهُ لَا يُجْعَلُ إتْلَافًا وَجَوَابُهُ مَنْعُ التَّخْيِيرِ فِي النَّفْلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ، فَإِنَّهُ عَيْنُ النِّزَاعِ، وَعِنْدَنَا النَّفَلُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ حَتَّى يَجِبَ الْمُضِيُّ فِيهِ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ لِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: قَوْله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] وَفِي عَدَمِ الْإِتْمَامِ إبْطَالٌ لِلْمُؤَدَّى، فَإِنْ قِيلَ: لَا إبْطَالَ، وَإِنَّمَا هُوَ بُطْلَانٌ أَدَّى إلَيْهِ أَمْرٌ مُبَاحٌ لَهُ هُوَ تَرْكُ النَّفْلِ قُلْنَا لَا مَعْنَى لِلْإِبْطَالِ هَاهُنَا إلَّا فِعْلٌ يَحْصُلُ بِهِ الْبُطْلَانُ كَشَقِّ زِقٍّ مَمْلُوكٍ لَهُ فِيهِ مَاءٌ لِغَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ بُطْلَانَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ النَّفْلِ إنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِهِ الْمُنَاقِضِ لِلْعِبَادَةِ إذْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ سِوَاهُ بِخِلَافِ فَسَادِ زَرْعِ الْغَيْرِ، فَإِنَّهُ يُضَافُ إلَى رَخَاوَةِ الْأَرْضِ لَا إلَى فِعْلِهِ الَّذِي هُوَ سَقْيُ أَرْضِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي أَدَّاهُ صَارَ عِبَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى حَقًّا لَهُ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّعَرُّضَ لِحَقِّ الْغَيْرِ بِالْإِفْسَادِ حَرَامٌ، وَلَا طَرِيقَ إلَى صِيَانَةِ الْمُؤَدَّى سِوَى لُزُومِ الْبَاقِي إذْ لَا صِحَّةَ لَهُ بِدُونِ الْبَاقِي؛ لِأَنَّ الْكُلَّ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِتَمَامِهَا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْقَاقُ الثَّوَابِ.
لَا يُقَالُ: صِحَّةُ الْأَجْزَاءِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَكَوْنُهَا عِبَادَةً مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى صِحَّةِ الْأَجْزَاءِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكَوْنِهَا عِبَادَةً، فَلَوْ تَوَقَّفَتْ هِيَ عَلَيْهَا لَزِمَ الدَّوْرُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ دَوْرُ مَعِيَّةٍ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَضَايِفَيْنِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ يَتَوَقَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ ذَاتُ الْأَبِ مُتَقَدِّمًا فَكَذَا هَاهُنَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ كُلِّ جُزْءٍ عَلَى صِحَّةِ الْجُزْءِ الْآخَرِ مَعَ تَقَدُّمِ ذَاتِ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ. وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ يَنْعَقِدُ عِبَادَةً لِكَوْنِهِ فِعْلًا قُصِدَ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّ بَقَاءَ هَذَا الْوَصْفِ يَتَوَقَّفُ عَلَى انْعِقَادِ الْجُزْءِ الثَّانِي عِبَادَةً وَانْعِقَادُ الْجُزْءِ الثَّانِي عِبَادَةً يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ لَا عَلَى وَصْفِ كَوْنِهِ عِبَادَةً فَالْمَوْقُوفُ عَلَى الْأَجْزَاءِ الْبَاقِيَةِ هُوَ بَقَاءُ صِحَّةِ الْمُؤَدَّى وَكَوْنُهُ عِبَادَةً لَا صَيْرُورَتُهُ عِبَادَةً وَالْمَوْقُوفُ عَلَى صِحَّةِ الْمُؤَدَّى هُوَ صَيْرُورَةُ الْأَجْزَاءِ الْبَاقِيَةِ عِبَادَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute